اتِّفاقًا، واختَلَفوا في بَيعِ الكَلبِ المَأْذونِ في اتِّخاذِه، والِانتِفاعِ به، على خَمسةِ أقوالٍ، وقيلَ: على سَبعةٍ وهذه الأقوالُ هي:
المَنعُ مُطلَقًا، وهو المَشهورُ في المَذهبِ، والجَوازُ مُطلَقًا، وهُما لِمالِكٍ، كما في المُدوَّنةِ، وقالَ سَحنونٌ: أبيعُه وأحُجُّ بثَمَنِه، ورَوى ابنُ القاسِمِ كَراهيةَ بَيعِه، وعن ابنِ القاسِمِ أيضًا: يَجوزُ شِراؤُه، ولا يَجوزُ بَيعُه، وعن مالِكٍ يَجوزُ بَيعُه في المِيراثِ والدَّيْنِ والمَغانِمِ، ومَكروهٌ بَيعُه ابتِداءً، والأوَّلُ هو المَشهورُ.
ووَجْهُ الجَوازِ ما رُويَ أنَّه ﷺ نهَى عن ثَمَنِ الكَلبِ، إلَّا كَلبَ صَيدٍ أو زَرعٍ أو ماشيةٍ (١)؛ ولأنَّه جارِحٌ يُصادُ به، كالبازِي؛ ولأنَّه حَيَوانٌ يُملَكُ بالأخْذِ؛ فجازَ أنْ يُملَكَ بالبَيعِ، كالصَّيدِ؛ ولأنَّه حَيَوانٌ يُملَكُ بالوَصيَّةِ، كَسائِرِ الحَيَوانِ، ولأنَّ كُلَّ ما يُنتفَعُ به جائِزٌ شِراؤُه وبَيعُه، ويَلزَمُ قاتِلَه القِيمةُ؛ لأنَّه أتلَفَ مَنفَعةَ أخيه.
(١) أخرجه الترمذي في «سننه» (١٢٨١)، والبيهقي (٦/ ٦) عن أبي هُريرةَ بذكِرِ كَلبِ الصَّيدِ فَقط وقال: هذا حَديثٌ لا يَصحُّ من هذا الوَجهِ، وقال: وقد رُوي عن جابرٍ عن النَّبيِّ ﷺ نحوَ هذا ولا يَصحُّ أيضًا. أما الحَديثُ بهذا السِّياقِ فلَم يجدْه الزَّيلعيُّ في «نصب الراية» (٤/ ٥٣)، ولا الحافِظُ في «الدراية» (٢/ ١٦١)، وقال الإمامُ النَّوويُّ في «شرح مسلم» (١٠/ ٢٣٣): وأمَّا الأحاديثُ الوارِدةُ في النَّهيِ عن ثَمنِ الكَلبِ إلا كَلبَ صَيدٍ وفي روايةٍ إلا كَلبًا ضاريًا وأنَّ عُثمانَ غرَّم إنسانًا ثَمنَ كَلبٍ قتلَه عِشرينَ بَعيرًا وعن ابن عَمرِو بنِ العاصِ التَّغريم في إتْلافِه؛ فكلُّها ضَعيفةٌ بإتِّفاقِ أئمَّةِ الحَديثِ، وقد أوضحْتُها في شرح المهذَّبِ في باب ما يَجوزُ بيعُه.