للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعطَتْها مَولاةٌ لِمَيمونةَ مِنْ الصَّدَقةِ؛ فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «هَلَّا انتَفَعتُم بجِلدِها»، قالوا: إنَّها مَيْتةٌ، قالَ : «إنَّما حُرِّمَ أكلُها»، وفي لَفظٍ: «هَلَّا أخَذتُم إهابَها فدَبَغتُموه فانتَفَعتُم به» (١).

ولأنَّ حُدوثَ النَّجاسةِ إذا منَع مِنْ جَوازِ البَيعِ كانَ مَأْذونًا بجَوازِ البَيعِ، كنَجاسةِ الخَمرِ إذا ارتَفَعتْ بانقِلابِها خَلًّا، ولأنَّ دِباغةَ الجِلدِ قد أعادَتْه إلى حُكمِ الحَياةِ، فلمَّا كانَ بَيعُه في الحَياةِ جائِزًا اقتَضَى أنْ يَكونَ بعدَ الدِّباغةِ جائِزًا. فأمَّا الآيةُ فمَخصوصةٌ، وأمَّا المُضطَرُّ إلى أكلِ المَيْتةِ فإنَّما استَباحَها لِمَعنًى فيه لا في المَيْتةِ، واستِباحةُ الجِلدِ لِمَعنًى في الجِلدِ، لا في المُستَبيحِ.

وذهَب المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في المَشهورِ عندَهما -وهو لا يَطهُرُ بالدِّباغِ عندَهما- والشافِعيُّ في القَديمِ إلى أنَّه لا يَجوزُ عندَهم بَيعُ جِلدِ المَيْتةِ، وإنْ دُبِغَ؛ وعَلَّلَ الشافِعيَّةُ ذلك بعُمومِ قَولِه تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٤٣]، ولأنَّ إباحةَ الِانتِفاعِ بالمَيْتةِ لا تَقتَضي جَوازَ بَيعِها، كالمُضطَرِّ إلى أكلِها، ولأنَّ تَأثيرَ الدِّباغةِ إنَّما هو التَّطهيرُ، وليسَ التَّطهيرُ عِلَّةً في جَوازِ البَيعِ، ك (أُمِّ الوَلَدِ)، وقد ذُكِرَتِ المَسألةُ مُفصَّلةً في كِتابِ الطَّهارةِ في الأعيانِ النَّجِسةِ (٢).


(١) رواه البخاري (٥٥٣١)، ومسلم (٣٦٣).
(٢) «بدائع الصنائع» (٥/ ١٤١)، و «الهداية شرح البداية» (٣/ ٤٢)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ٤٤)، و «الاختيار» (٢/ ٢٧)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٧٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٥٧)، و «خلاصة الدلائل» (٢/ ٥٢)، و «اللباب» (١/ ٣٧٧)، و «البحر الرائق» (٦/ ٧٦، ٧٧)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٦٢، ٦٣)، و «زاد المعاد» (٥/ ٧٤٩)، و «الشرح الكبير» لابن قدامة (٤/ ١٤)، و «فتح الباري» (٤/ ٤٢٥، ٤٢٦)، و «نيل الأوطار» (٥/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>