للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الأجَلِ وأحُطُّ مِنْ الدَّينِ، أو تَقولَ: زِدْ في الأجَلِ وأزيَدُ في الدَّيْنِ؟!

قالَ زَيدُ بنُ أسلَمَ: كان الرِّبا في الجاهِليَّةِ أنْ يَكونَ لِلرَّجلِ على الرَّجُلِ الحَقُّ إلى أجَلٍ، فإذا حَلَّ الأجَلُ قالَ: أتَقضي أم تُرْبِي؟ فإنْ قَضى أخَذ، وإلا زادَه في حَقِّه وأخَّرَ عنه في الأجَلِ (١).

وقد عَلَّلَ الحَنفيَّةُ المَنعَ في غيرِ دَينِ الكِتابةِ: بأنَّ صاحِبَ الدَّيْنِ المُؤجَّلِ لا يَستحِقُّ المُعجَّلَ، فلا يُمكِنُ أنْ يُجعَلَ استِيفاءً، فصارَ عِوَضًا، وبَيعُ خَمسِمِئةٍ بألْفٍ لا يَجوزُ.

وبَيانُ ذلك أنَّ المُعجَّلَ لَم يَكُنْ مُستحَقًّا بالعَقدِ حتى يَكونَ استيفاؤُه استيفاءً لِبَعضِ حَقِّه، والتَّعجيلُ خَيرٌ مِنْ النَّسيئةِ لا مَحالةَ، وحينَئذٍ يَكونُ الخَمسُمِئةِ بمُقابَلةِ خَمسِمِئةٍ مثلَها مِنْ الدَّينِ، والتَّعجيلُ في مُقابَلةِ البَقيَّةِ، وذلك اعتياضٌ عن الأجَلِ، وهو باطِلٌ؛ ألَا تَرَى أنَّ الشَّرعَ حرَّم رِبا النَّسيئةِ؟ وليسَ فيه إلَّا شُبهةُ مُبادَلةِ المالِ بالأجَلِ، وإذا كانَتْ شُبهةُ الرِّبا مُوجِبةً لِلحُرمةِ فحَقيقَتُه أوْلَى بذلك (٢).

وعَلَّلَه الشافِعيَّةُ بأنَّه تَرْكُ بَعضِ المِقدارِ لِيَحصُلَ الحُلولُ في البَقيَّةِ،


(١) رواه الإمام مالك في «الموطأ» في رواية محمد بن الحسن (٧٦٨) باب الرجل يبيع المتاع أو غيره نسيئة ثم يقول: انقدني وأضع عنك، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١١٤٦٨).
(٢) «المبسوط» (٢١/ ٢١)، و «تحفة الفقهاء» (٣/ ٢٥٢)، و «العناية» (١٢/ ٩٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٨/ ٢٥٣)، و «إغاثة اللهفان» (٢/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>