ولا يَقولُ له: تَحَيَّلْ على بَيعِ المَصوغِ بأكثَرَ مِنْ وَزنِه بأنواعِ الحِيَلِ، ولَم يَقُلْ قَطُّ: لا تَبِعْه إلَّا بغيرِ جِنسِه، ولَم يَحرِّمْ على أحَدٍ أنْ يَبيعَ شَيئًا مِنْ الأشياءِ بجِنسِه.
فإنْ قيلَ: فهَبْ أنَّ هذا قد سلَّم لَكم في المَصوغِ، فكَيفَ يسلمُ لَكم في الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ المَضروبةِ إذا بِيعَتْ بالسَّبائِكِ مُفاضَلًا، وتَكونُ الزِّيادةُ في مُقابَلةِ صِناعةِ الضَّربِ؟
قيلَ: هذا سُؤالٌ قَويٌّ وارِدٌ، وجَوابُه: أنَّ السَّكَّةَ لا تُتقوَّمُ فيها الصِّناعةُ لِلمَصلَحةِ العامَّةِ المَقصودةِ مِنها، فإنَّ السُّلطانَ يَضرِبُها لِمَصلَحةِ النَّاسِ العامَّةِ، وإنْ كانَ الضَّارِبُ يَضرِبُها بأُجرةٍ فإنَّ القَصدَ بها أنْ تَكونَ مِعيارًا لِلنَّاسِ، لا يَتَّجِرونَ فيها، كما تَقدَّمَ، والسَّكَّةُ فيها غيرُ مُقابَلةٍ بالزِّيادةِ في العُرفِ، ولو قُوبِلَتْ بالزِّيادةِ فَسَدتِ المُعامَلةُ وانتَقَضتِ المَصلَحةُ التي ضُرِبَتْ لِأجَلِها واتَّخَذَها النَّاسُ سِلعةً، واحتاجَتْ إلى التَّقويمِ بغيرِها، ولِهذا قامَ الدِّرهَمُ مَقامَ الدِّرهَمِ مِنْ كلِّ وَجْهٍ، وإذا أخَذ الرَّجُلُ الدَّراهِمَ رَدَّ نَظيرَها، وليسَ المَصوغُ كذلك، ألَا تَرَى أنَّ الرَّجُلَ يَأخُذُ مِئةً خِفافًا، ويَرُدُّ خَمسينَ ثِقالًا بوَزنِها، ولا يَأبَى ذلك الآخِذُ ولا القابِضُ، ولا يَرَى أحَدُهما أنَّه قد خسِر شَيئًا، وهذا بخِلافِ المَصوغِ، والنَّبيُّ وخُلَفاؤُه لَم يَضرِبوا دِرهَمًا واحِدًا، وأوَّلُ مَنْ ضَرَبَها في الإسلامِ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ، وإنَّما كانوا يَتعامَلونَ بضَربِ الكُفَّارِ.
فإنْ قيلَ: فيَلزَمُكم على هذا أنْ تُجَوِّزوا بَيعَ فُروعِ الأجناسِ بأُصولِها