للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالثةُ: أنْ يَبيعَ فِلسَيْنِ بعَيْنَيْهما بفِلسٍ بغيرِ عَينِه، فلا يَجوزُ كذلك؛ لأنَّه لو جازَ لَقبَض المُشتَرِي الفِلسَيْنِ، ودَفَعَ إليه أحَدَهما مَكانَ ما استَوجَبَ عليه؛ فيَبقَى الآخَرُ فَضلًا بلا عِوَضٍ استُحِقَّ بعَقدِ البَيعِ، وهذا إذا رَضيَ بتَسليمِ المَبيعِ قبلَ قَبضِ الثَّمنِ.

الرَّابِعةُ: أنْ يَبيعَ فِلسًا بعَينِه بفِلسَيْنِ بعَيْنَيْهما، فيَجوزُ عندَهُما، خِلافًا لِمُحمَّدٍ، وهي مَسألَتُنا هذه (١).

وذهَب مُحمَّدُ بنُ الحَسَنِ وهو مَشهورُ قَولِ المالِكيَّةِ -كما في المُدوَّنةِ- والحَنابِلةُ في قَولٍ اختارَه شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وهو وَجْهٌ لِلشافِعيَّةِ واختيارُ ابنِ حَجَرٍ الهَيتَميِّ مِنهم إلى المَنعِ مِنْ ذلك، فلا يَجوزُ فيها التَّفاضُلُ.

واستَدلَّ الحَنفيَّةُ لقولِ مُحمَّدٍ بعَدَمِ الجَوازِ بأنَّ الفُلوسَ أثمانٌ، فلا يَجوزُ بَيعُها بجِنسِها مُتفاضِلًا، كالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ، ودِلالةُ الوَصفِ عِبارةٌ عَمَّا تُقدَّرُ به ماليَّةُ الأعيانِ، وماليَّةُ الأعيانِ كما تُقدَّرُ بالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ تُقدَّرُ بالفُلوسِ أيضًا، فكانَتْ أثمانًا، والثَّمنُ لا يَتعيَّنُ بالتَّعيينِ، فالتَحَقَ التَّعيينُ فيهما بالعَدَمِ، فلا يَجوزُ بَيعُ فِلسٍ بفِلسَيْنِ بعَيْنَيْهما، كما لا يَجوزُ بغيرِ عَيْنَيْهما.

ولأنَّها إذا كانَتْ أثمانًا فالواحِدُ يُقابِلُ الواحِدَ، فبَقيَ الآخَرُ فَضلَ مالٍ لا يُقابِلُه عِوَضٌ في عَقدِ المُعاوَضةِ، وهذا تَفسيرُ الرِّبا، كما حَرَّرَه الكاسانيُّ.


(١) «العناية شرح الهداية» (٩/ ٣١٣)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ١٥٥)، و «تحفة الفقهاء» (٣/ ٣٦)، و «درر الحكام» (٦/ ٣٥٣)، و «البحر الرائق» (٦/ ١٤٢، ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>