للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّالثُ: أنَّ الأُصولَ مُقَرَّرةٌ على أنَّ الحُكمَ إذا عُلِّقَ على الذَّهبِ والفِضَّةِ اختَصَّ بهِما، ولَم يَقِسْ غيرَهما عليهما، ألَا تَرَى أنَّ الزَّكاةَ لمَّا تَعلَّقتْ بهِما لَم تَتعَدَّ إلى غيرِهما مِنْ صُفرٍ أو نُحاسٍ أو شَيءٍ مِنْ المَوزوناتِ، ولمَّا حُرِّمَ الشُّربُ في أواني الفِضَّةِ والذَّهبِ اختَصَّ النَّهيُ بهِما دونَ سائِرِ الأواني مِنْ غيرِهما، كذلك وجَب أنْ يَكونَ الرِّبا المُعلَّقَ عليهما مُختَصًّا بهِما، وأنَّ العِلَّةَ فيهما غيرُ مُتعدِّيةٍ إلى غيرِهما (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ : وأمَّا الدَّراهِمُ والدَّنانيرُ، فقالَتْ طائِفةٌ: العِلَّةُ فيهما كَونُهما مَوزونَيْنِ، وهذا مَذهبُ أحمدَ في إحدَى الرِّوايتَينِ عنه، ومَذهبُ أبي حَنيفةَ.

وطائِفةٌ قالَتِ: العِلَّةُ فيهِما الثَّمنيَّةُ، وهذا قَولُ الشافِعيِّ ومالِكٍ وأحمدَ في الرِّوايةِ الأُخرَى، وهذا هو الصَّحيحُ، بَلِ الصَّوابُ، فإنَّهم أجمَعوا على جَوازِ إسلامِهما في المَوزوناتِ مِنْ النُّحاسِ والحَديدِ وغيرِهما، فلو كانَ النُّحاسُ والحَديدُ رِبَويَّيْنِ لَم يَجُزْ بَيعُهما إلى أجَلٍ بدَراهِمَ نَقدًا، فإنَّ ما يَجري فيه الرِّبا إذا اختلَف جِنسُه جازَ التَّفاضُلُ فيه دونَ النَّساءِ، والعِلَّةُ إذا انتَقَضتْ مِنْ غيرِ فَرقٍ مُؤثِّرٍ دَلَّ ذلك على بُطلانِها.

وأيضًا التَّعليلُ بالوَزنِ ليسَ فيه مُناسَبةٌ، فهو طَردٌ مَحضٌ، بخِلافِ التَّعليلِ بالثَّمنيَّةِ، فإنَّ الدَّراهِمَ والدَّنانيرَ أثمانُ المَبيعاتِ، والثَّمنَ هو المِعيارُ الذي به يُعرَفُ تَقويمُ الأموالِ، فيَجِبُ أنْ يَكونَ مَحدودًا مَضبوطًا


(١) «الحاوي الكبير» (٥/ ٩١، ٩٢)، و «المغني» (٤/ ٢٦، ٢٨)، و «الإنصاف» (٥/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>