فإنْ عُلم الجِنسُ والنَّوعُ، بأنْ قالَ: بِعتُكَ الثَّوبَ المَرويَّ الذي في كُمِّي، أو العَبدَ الزِّنجيَّ الذي في داري، أو الفَرَسَ الأدهَمَ الذي في إصطَبْلِي ففيه قَولانِ، أحَدُهما -وهو الجَديدُ والمَذهبُ عليه-: لا يَصحُّ؛ لِحَديثِ أبي هُريرةَ ﵁ أنَّ رَسولَ اللَّه ﷺ نهَى عن بَيعِ الغَرَرِ، وفي هذا البَيعِ غَرَرٌ، ولأنَّه نَوعُ بَيعٍ، فلَم يَصحَّ مع الجَهلِ بصِفةِ المَبيعِ، كالسَّلَمِ.
والثَّاني -وهو القَديمُ-: يَصحُّ، ويثبُتُ له الخِيارُ إذا رَآه؛ لِما رَوى ابنُ أبي مُلَيكةَ ﵁ أنَّ عُثمانَ ﵁ ابتاعَ مِنْ طَلحةَ ﵁ أرضًا بالمَدينةِ، ناقَلَه بأرضٍ له بالكُوفةِ، فقالَ عُثمانُ ﵁: بِعتُكَ ما لَم أرَه. فقالَ طَلحةُ: إنَّما النَّظَرُ لي؛ لِأنِّي ابتَعتُ مَغيبًا، وأنتَ قد رَأيتَ ما ابتَعتَ. فتَحاكَما إلى جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ ﵁، فقَضى على عُثمانَ أنَّ البَيعَ جائِزٌ، وأنَّ النَّظرَ لِطَلحةَ؛ لأنَّه ابتاعَ مَغيبًا، ولأنَّه عَقدٌ على عَينٍ، فجازَ مع الجَهلِ بصِفَتِه، كالنِّكاحِ.
وعلى هذا القَولِ لا تَفتقِرُ صِحَّةُ البَيعِ إلى ذِكرِ شَيءٍ مِنْ الصِّفاتِ في الأصَحِّ، وهو المَنصوصُ في الصَّرفِ -أي: في كِتابِ الصَّرفِ مِنْ الجَديدِ-؛ لأنَّ الِاعتِمادَ على الرُّؤيةِ، ويثبُتُ له الخِيارُ إذا رَآه، فلا يَحتاجُ إلى ذِكرِ الصِّفاتِ؛ فإنْ وصَفه ثم وجَده على خِلافِ ما وُصِفَ، ثبَت له الخِيارُ، وإنْ وجَده على ما وُصِفَ أو أعلَى، فعلى وَجهَيْنِ:
أحَدُهما: لا خِيارَ له؛ لأنَّه وجَده على ما وُصِفَ، فلَم يَكُنْ له خِيارٌ، كالمُسلَّمِ فيه.