للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكاسانيُّ أنَّه يُشبِهُ بَيعَ الهازِلِ؛ إذِ الهَزلُ يُنافي اختيارَ الحُكمِ والرِّضا به، ولا يُنافي الرِّضا بالمُباشَرةِ، واختيارِها، فصارَ بمَعنَى خِيارِ الشَّرطِ في البَيعِ.

وقد اختلَف الفُقهاءُ في بَيعِ الهازِلِ هل يَصحُّ أو لا؟ على قَولَيْنِ:

القَولُ الأوَّلُ: وهو قَولُ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ والشافِعيَّةِ في وَجْهٍ أنَّ بَيعَ الهازِلِ لا يَنعقِدُ؛ لأنَّه مُتكلِّمٌ بكَلامِ البَيعِ لا على إرادةِ حَقيقَتِه، فلَم يُوجَدِ الرِّضا بالبَيعِ، فلا يَصحُّ؛ لعَدمِ الرِّضا؛ لأنَّه غيرُ راضٍ بأصْلِ البَيعِ؛ لأنَّ البَيعَ اسمٌ لِلجِدِّ الذي له في الشَّرعِ حُكمٌ، والهَزلُ ضِدُّ الجِدِّ، فإذا تَصادَقا على أنَّهُما لَم يُباشِرا ما هو سَبَبُ المِلْكِ لا يَنعقِدُ البَيعُ بينَهما مُوجِبًا لِلمِلْكِ.

وقالَ الحَنابِلةُ: ويُقبَلُ مِنْ البائِعِ أنَّ البَيعَ وقَع هَزلًا بقَرينةٍ دالَّةٍ على ذلك مع يَمينِه؛ لِاحتِمالِ كَذِبِه، فإنْ لَم تُوجَدْ قَرينةٌ لَم تُقبَلْ دَعواه إلَّا ببَيِّنةٍ.

وقالَ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ: إنِ اختَلَفا يُقبَلُ قَولُ مُدَّعي الجِدِّ مِنهُما؛ لأنَّه الأصلُ.

وقالَ الحَنفيَّةُ: إذا قصَد بالمُبايَعةِ الهَزلَ وجَب التَّصريحُ بذلك في أثناءِ العَقدِ؛ إذْ لا تُغني دِلالةُ الحالِ عن ذلك وَحدَها، فعلى الهازِلِ في بَيعِه أنْ يَقولَ لِلمُشتَرِي: إنِّي بِعتُكَ هذا المالَ هازِلًا.

قالَ ابنُ عابِدينَ : وشَرطُه -أي: شَرطُ تَحقُّقِ الهَزلِ واعتبارِه في التَّصرُّفاتِ- أنْ يَكونَ صَريحًا باللِّسانِ، مثلَ أنْ يَقولَ: إنِّي أبيعُ هازِلًا، ولا يَكتَفي بدِلالةِ الحالِ، إلَّا أنَّه لا يُشترَطُ ذِكرُه في العَقدِ، فيَكفي أنْ تَكونَ المُواضَعةُ سابِقةً على العَقدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>