للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: ويُقبَلُ مِنْ البائِعِ أنَّ البَيعَ وقَع تَلجِئةً أو هَزلًا بقَرينةٍ دالَّةٍ على ذلك مع يَمينِه؛ لِاحتِمالِ كَذِبِه، فإنْ لَم تُوجَدْ قَرينةٌ لَم تُقبَلْ دَعواهُ إلَّا ببَيِّنةٍ.

وَأمَّا الحَنفيَّةُ فقالوا: إذا اختَلَفا فادَّعَى أحَدُهما التَّلجِئةَ، وأنكَرَ الآخَرُ، وزَعَمَ أنَّ البَيعَ بَيعُ رَغبةٍ، فالقَولُ قَولُ مُنكِرِ التَّلجِئةِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ شاهِدٌ له، فكانَ القَولُ قَولَه مع يَمينِه على ما يَدَّعيه صاحِبُه مِنْ التَّلجِئةِ إذا طَلَبَ الثَّمنَ.

وَإنْ أقامَ المُدَّعي البَيِّنةَ على التَّلجِئةِ تُقبَلُ بَيِّنتُه؛ لأنَّه أثبَتَ الشَّرطَ بالبَيِّنةِ، فتُقبَلُ بَيِّنتُه كما لو أثبَتَ الخِيارَ بالبَيِّنةِ.

ولو اتَّفَقا على التَّلجِئةِ ثم قالا عندَ البَيعِ: كلُّ شَرطٍ كانَ بينَنا فهو باطِلٌ، تَبطُلُ التَّلجِئةُ، ويَجوزُ البَيعُ؛ لأنَّه شَرطٌ فاسِدٌ زائِدٌ، فاحتَمَلَ السُّقوطَ بالإسقاطِ، ومَتَى سقَط صارَ العَقدُ جائِزًا إلَّا إذا اتَّفَقا عندَ المُواضَعةِ وقالا: إنَّ ما نَقولُه عندَ البَيعِ أنَّ كُلَّ شَرطٍ بينَنا فهو باطِلٌ فذلك القَولُ مِنَّا باطِلٌ. فإذا قالا ذلك لا يَجوزُ العَقدُ؛ لأنَّهما اتَّفَقا على أنَّ ما يُبطِلانِه مِنْ الشَّرطِ عندَ العَقدِ باطِلٌ، إلَّا إذا حَكَيا في العَلانيةِ ما قالا في السِّرِّ، فقالا: إنَّا شَرَطْنا كذا وكَذا، وقد أبطَلْنا ذلك، ثم تَبايَعا، فيَجوزُ البَيعُ، ثم كما لا يَجوزُ بَيعُ التَّلجِئةِ لا يَجوزُ الإقرارُ بالتَّلجِئةِ بأنْ يَقولَ لِآخَرَ: إنِّي أُقِرُّ لَكَ في العَلانيةِ بمالي أو بداري، وتَواضَعا على فَسادِ الإقرارِ، لا يَصحُّ إقرارُه حتى لا يَملِكَه المُقِرُّ له.

والقَولُ الثَّاني: وهو قَولُ الشافِعيَّةِ في المَذهبِ ورِوايةُ أبي يُوسفَ عن أبي حَنيفةَ أنَّ البَيعَ جائِزٌ؛ لأنَّ البَيعَ تَمَّ بأركانِه وشُروطِه خاليًا عن مُقارَنةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>