للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِنها: أنَّ الحِكمةَ تَقتَضيه؛ لأنَّ حاجةَ الإنسانِ تَتعلَّقُ بما في يَدِ صاحِبِه، وصاحِبُه لا يَبذُلُه بغيرِ عِوَضٍ، ففي شَرعِ البَيعِ وتَجويزِه شَرعُ طَريقٍ إلى وُصولِ كلِّ واحِدٍ مِنهُما إلى غَرَضِه، ودَفْعِ حاجَتِه (١).

ومِنها: أنَّ اللَّهَ جعَل المالَ سَبَبًا لِإقامةِ مَصالِحِ العِبادِ في الدُّنيا، وشرَع طَريقَ التِّجارةِ لِإكسابِها؛ لأنَّ ما يَحتاجُ إليه كلُّ أحَدٍ لا يُوجَدُ مُباحًا في كلِّ مَوضِعٍ، وفي الأخْذِ على سَبيلِ التَّغالُبِ فَسادٌ، واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ.

وإلى ذلك أشارَ اللَّهُ في قَولِهِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] (٢).

وَمِنها: أنَّ فيه بَقاءَ نِظامِ المَعاشِ والعالَمِ، فإنَّه خَلَقَ العالَمَ على أتَمِّ نِظامٍ، وأحكَمَ أمْرَ مَعاشِه أحسَنَ إحكامٍ.

ولا يَتمُّ ذلك إلَّا بالبَيعِ والشِّراءِ؛ إذْ لا يَقدِرُ أحَدٌ على أنْ يَعمَلَ لِنَفْسِه كُلَّ ما يَحتاجُ إليه؛ لأنَّه إذا اشتَغَلَ بحَرثِ الأرضِ وبَذْرِ القَمحِ وخِدمَتِه وحِراسَتِه وحَصْدِه ودِراسَتِه وتَذريَتِه وتَنظيفِه وطَحْنِه وعَجْنِه لَم يَقدِرْ على أنْ يَشتغِلَ بيَدِه ما يَحتاجُ إليه ذلك مِنْ آلاتِ الحِراثةِ والحَصدِ


(١) «المغني» (٥/ ٢١٩)، و «المبدع» (٤/ ٣)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٣)، و «فتح الباري» (٤/ ٢٨٧).
(٢) «المبسوط» (١٢/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>