للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمرَ بنُ عَبدِ البرِّ : أمَّا العُيوبُ الأربَعةُ المَذكورةُ في هذا الحَديثِ فمُجتمَعٌ عليها، لا أعلَمُ خِلافًا بينَ العُلماءِ فيها، ومَعلومٌ أنَّ ما كان في مَعناها داخِلٌ فيها، ولا سيَّما إذا كانت العِلَّةُ فيها أبيَنُ، ألَا تَرى أنَّ العَوراءَ إذا لم تَجُزْ فالعَمياءُ أحرى ألَّا تَجوزَ، وإذا لم تَجُزِ العَرجاءُ فالمَقطوعةُ الرِّجلِ أو التي لا رِجلَ لها المُقعَدةُ أحرى ألَّا تَجوزَ، وهذا كلُّه واضِحٌ لا خِلافَ فيه والحَمدُ للهِ، وفي هذا الحَديثِ دَليلٌ على أنَّ المَرضَ الخَفيفَ يَجوزُ في الضَّحايا، والعَرجَ الخَفيفَ الذي تَلحقُ به الشاةُ الغَنمَ لقولِه : «بيِّنٌ مَرضُها»، و «بيِّنٌ ظَلعُها»، وكذلك النُّقطةُ في العَينِ إذا كانت يَسيرةً، لقولِه: «العَوراءُ بيِّنٌ عَورُها»، وكذلك المَهزولةُ التي ليست بغايةِ في الهُزالِ لقولِه: «والعَجفاءُ التي لا تُنْقي»، يُريدُ التي لا شيءَ فيها من الشَّحمِ، والنَّقيُ الشَّحمُ، وقد بانَ في نَسقِ ما أورَدْنا من الأحادِيثِ تَفسيرُ هذه اللَّفظةِ، وقد جاء في الحَديثِ الآخَرِ: «البيِّنُ هُزالُها»، وفي لَفظِ حَديثِ شُعبةَ: «والكَسيرُ التي لا تُنْقي»، ومعنى الكَسيرِ: التي لا تَقومُ ولا تَنهَضُ، ومن الهُزالِ من العُيوبِ التي تُتقَى في الضَّحايا بإجماعٍ: قَطعُ الأُذنِ أو أكثرِها، والعَيبُ في الأُذنِ مُراعًى عندَ جَماعةِ العُلماءِ (١).

وقال: وقد زعَم بعضُ العُلماءِ أنَّ ما عدا العُيوبَ الأربَعةَ المَذكورةَ في هذا الحَديثِ تَجوزُ في الضَّحايا والهَدايا، بدَليلِ الخِطابِ في أنَّ ما عدا المَذكورَ بخِلافِه، وهو لَعَمري وَجهٌ من وُجوهِ القولِ لولا أنَّه قد


(١) «التمهيد» (٢٠/ ١٦٨)، و «الاستذكار» (٥/ ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>