للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحَنفيةُ وأحمدُ في رِوايةٍ: يَجبُ قَضاءُ النَّفلِ الذي أُحصِر عنه المُحرِمُ.

والسَببُ في الخِلافِ هو: هل قَضى رَسولُ اللهِ عُمرةَ الحُدَيبيةِ أو لم يَقضِ؟

فقال الجُمهورُ: إنَّ رَسولَ اللهِ حينَ رجَع عن البَيتِ في عامِ الحُدَيبيةِ لم يَأمرْ أحَدًا من أصحابِه ولا ممَّن كان معه أنْ يَقضُوا شيئًا، ولا أنْ يَعودوا لِشيءٍ، ولا حُفظ ذلك عنه بوَجهٍ من الوُجوهِ، ولا قال في العامِ المُقبِلِ: إنَّ عُمرَتي هذه قَضاءٌ عن العُمرةِ التي أُحصِرتُ فيها، ولم يُنقَلْ عنه ذلك، وإنَّما سُمِّيت عُمرةَ القَضاءِ وعُمرةَ القَضيَّةِ؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ قاضَى قُريشًا وصالَحهم في ذلك العامِ على الرُّجوعِ عن البَيتِ. وقَصدُه من قابِلٍ، فسُمِّيت بذلك عُمرةَ القَضيَّةِ.

وقال الحَنفيةُ: إنَّ اعتِمارَ النَّبيِّ في العامِ المُقبِلِ من عامِ الحُدَيبيةِ إنَّما كان قَضاءً لِتلك العُمرةِ، ولذلك قيلَ لها: عُمرةُ القَضاءِ (١) (٢).


(١) «شرح فتح القدير» (٣/ ١٣٨)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٢٠٥)، و «شرح الزرقاني» (٢/ ٣٥١)، و «أحكام القران» لابن العربي (١/ ١٧٤)، و «التمهيد» (١٥/ ٢١٢)، و «الحاوي الكبير» (٤/ ٣٥٣)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٧٦)، و «المجموع» (٨/ ٢٣١)، و «المغني» (٤/ ٤٩٣)، و «الكافي» (١/ ٤٦٢).
(٢) وقال ابنُ حَزمٍ : وأمَّا الإحصارُ فإنَّ كلَّ مَنْ عرَض له ما يَمنَعُه من إتمامِ حَجِّه أو عُمرتِه، قارنًا كان، أو مُتمتِّعًا، من عَدوٍّ، أو مَرضٍ، أو كَسرٍ، أو خَطأِ طَريقٍ، أو خَطأٍ في رُؤيةِ الهِلالِ، أو سِجنٍ، أو أيِّ شيءٍ كان: فهو مُحصَرٌ.
فإنْ كان اشترَط عندَ إحرامِه كما قدَّمنا أنَّ مَحلَّه حيث حبَسه اللهُ ﷿ فليَحلَّ من إحرامِه ولا شيءَ عليه، سَواءٌ شرَع في عَملِ الحَجِّ، أو العُمرةِ، أو لم يَشرعْ بعدُ، قَريبًا كان أو بَعيدًا، مَضى له أكثَرُ فَرضِهما أو أقلُّه، كل ذلك سَواءٌ ولا هَديَ في ذلك ولا غَيرِه، ولا قَضاءَ عليه في شَيءٍ من ذلك، إلا أنْ يَكونَ لم يحُجَّ قطُّ ولا اعتمَر، فعليه أنْ يحُجَّ ويَعتمرَ ولا بدَّ.
فإنْ كان لم يَشترِطْ كما ذكَرنا فإنَّه يَحلُّ أيضًا كما ذكَرنا سَواءً سواءً ولا فَرقَ، وعليه هَديٌ ولا بدَّ، كما قُلنا في هَديِ المُتعةِ سَواءً سَواءً، إلا أنَّه لا يُعوِّضُ من هذا الهَديِ صَومٌ ولا غَيرُه، فمَن لم يَجدْه فهو عليه دَينٌ حتى يَجدَه، ولا قَضاءَ عليه إلا إنْ كان لم يحُجَّ قطُّ ولا اعتمَر، فعليه أنْ يحُجَّ ويَعتمرَ. «المحلى» (٧/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>