للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الهَديَ الذي ساقَه كان هَديًا لعُمرتِه، لا لِإحصارِه، فنحَر هَديَه على النِّيةِ الأُولى، وحلَّ من إحصارِه بغيرِ دَمٍ، فدلَّ على أنَّ المُحصَرَ يَحلُّ بغيرِ هَديٍ يُحقِّقُ ما قُلنا.

إنَّه ليس في حَديثِ صُلحِ الحُدَيبيةِ أنَّه نحَر دَمَيْن، وإنَّما نحَر دَمًا واحِدًا، ولو كان المُحصَرُ لا يَحلُّ إلا بدَمٍ لَنحَر دَمَيْن، وهو غيرُ مَعقولٍ.

لكنْ قال الكاسانيُّ : الحَديثُ ليس فيه ما يَدلُّ على أنَّ النَّبيَّ حلَّ عامَ الحُدَيبيةِ عن إحصارِه بغيرِ هَديٍ، إذْ لا يُتوهَّمُ على النَّبيِّ أنْ يَكونَ حلَّ من إحصارِه بغيرِ هَديٍ، واللهُ تَعالى أمَر المُحصَرَ ألَّا يَحلَّ حتى يَنحرَ هَديَه بنَصِّ الكِتابِ الكَريمِ، ولكنْ وَجهُ ذلك -واللهُ أعلمُ، وهو مَعنى المَرويِّ في حَديثِ صُلحِ الحُدَيبيةِ- أنَّه نحَر دَمًا واحِدًا أنَّ الهَديَ الذي ساقَه النَّبيُّ كان هَديَ مُتعةٍ أو قِرانٍ، فلمَّا مُنِع عن البَيتِ سقَط عنه دَمُ القِرانِ، فجازَ له أنْ يجعلَه من دَمِ الإحصارِ، وممَّا يَدلُّ على أنَّ النَّبيَّ جعَل الهَديَ لإحصارِه ما رُوي أنَّه لم يَحلِقْ حتى نحَر هَديَه، وقال: «أيُّها الناسُ انحَروا وحِلُّوا»، واللهُ أعلمُ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٩٧، ١٩٨)، و «الهداية» (٢/ ٢٩٧)، و «مواهب الجليل» (٣/ ١٩٨)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٢/ ٩٤)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٥١)، و «المنتقى» (٢/ ٢٧٣)، و «المجموع» (٨/ ٢٦٧)، و «المغني» (٤/ ٥٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>