الاستِدلالِ بالآيةِ: أنَّ الكَلامَ على تَقديرِ مُضمَرٍ، قال الكاسانيُّ ﵀: مَعناه -واللهُ ﷾ أعلمُ-: فإنْ أُحصِرتُم عن إتمامِ الحَجِّ والعُمرةِ، وأرَدتُم أنْ تَحِلُّوا فاذبَحوا ما تَيسَّر من الهَديِ؛ إذِ الإحصارُ نَفسُه لا يُوجِبُ الهَديَ.
والدَّليلُ على هذا التَّقديرِ أنَّ الإحصارَ نَفسَه لا يُوجِبُ الهَديَ، ألَا تَرى أنَّ له أنْ يَتحلَّلَ ويَبقَى مُحرِمًا كما كان إلى أنْ يَزولَ المانِعُ فيَمضيَ في مُوجِبِ الإحرامِ، وهو كقولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦]، معناه: فمَن كان منكم مَريضًا أو به أذًى من رَأسِه فحلَق، وإلا فكَونُ الأذَى في رَأسِه لا يُوجِبُ الفِديةَ … ولأنَّ المُحصَرَ مُحتاجٌ إلى التَّحلُّلِ؛ لأنَّه مُنع عن المُضيِّ في مُوجِبِ الإحرامِ على وَجهٍ لا يُمكِنُه الدَّفعُ، فلو لم يَجزْ له التَّحلُّلُ لَبقِي مُحرِمًا لا يَحلُّ له ما حظَره الإحرامُ إلى أنْ يَزولَ المانِعُ، فيَمضيَ في مُوجِبِ الإحرامِ، وفيه من الضَّررِ والحَرجِ ما لا يَخفَى، فمسَّت الحاجةُ إلى التَّحلُّلِ والخُروجِ من الإحرامِ دَفعًا للضَررِ والحَرجِ، وسَواءٌ كان الإحصارُ عن الحَجِّ أو عن العُمرةِ أو عنهما عندَ عامَّةِ العُلماءِ -خِلافًا لِمالكٍ- لِما ذكَرنا واللهُ أعلمُ (١).
وأيضًا من السُّنةِ: فِعلُه ﷺ، فقدْ تَحلَّلَ وأمَرَ أصحابَه بالتَّحلُّلِ عامَ الحُدَيبيةِ حينَ صدَّهم المُشركونَ عن الاعتِمارِ بالبَيتِ العَتيقِ، كما سبَقَ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ.