للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّجالِ قَريبًا مِنها جازَ لها ذلك اتِّفاقًا، بأنْ تُسدِلَ الثَّوبَ من فوقِ رَأسِها على وَجهِها، وذلك لِما رُوي عن عائشةَ أنَّها قالت: «كانَ الرُّكبانُ يَمرُّونَ بنا ونَحنُ مع رَسولِ اللهِ مُحرِماتٌ، فإذا حاذَوا بنا أسدَلتْ إحدانا جِلبابَها من رَأسِها على وَجهِها، فإذا جاوَزنا كشَفْناه» (١)، ولأنَّ بالمَرأةِ حاجةً إلى سَترِ وَجهِها فلم يَحرُمْ عليها سَترُه على الإطلاقِ، كالعَورةِ.

واشترَط الحَنفيةُ والشافِعيةُ والقاضي من الحَنابلةِ أنْ يَكونَ الثَّوبُ مُتجافيًا عن وَجهِها بحيثُ لا يُصيبُ البشَرةَ، كأنْ تضَع على رَأسِها الساتِرَ، خَشَبةً أو شيئًا يُبعِدُ الساتِرَ عن مُلامَسةِ وَجهِها، فإنْ وقَعت الخَشبةُ فأصابَتِ الثَّوبَ بغيرِ اختيارِها ورفَعته في الحالِ فلا فِديةَ، وإنْ كان عَمدًا أو استدامَتْه لزِمتها الفِديةُ.

وأجازَ لها المالِكيةُ أنْ تَستُرَ وَجهَها إذا قصَدت السَّترَ عن أعيُنِ الناسِ بثَوبٍ تُسدِلُه من فوقِ رَأسِها دونَ رَبطٍ ولا غَرزٍ بإبرةٍ أو نحوِها ممَّا يُغرَزُ به.

أمَّا الحَنابلةُ فقالَ ابنُ قُدامةَ: ولم أرَ هذا الشَّرطَ -أي: الذي ذكَره القاضي- عن أحمدَ، ولا هو في الخَبرِ، مع أنَّ الظاهِرَ خِلافُه، فإنَّ الثَّوبَ المُسدَلَ لا يَكادُ يَسلَمُ من إصابةِ البشَرةِ (٢).


(١) حَديثٌ ضَعيفٌ: رواه أبو داود (١٨٣٣)، وأحمد (٦/ ٣٠).
(٢) «المغني» (٤/ ٤٠٦)، ويُنظر: «شرح العمدة» (٣/ ٢٧٠)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٢١٤)، و «المنتقى» (٢/ ٢٠٠)، و «المجموع» (٧/ ٢٢٥)، و «الاستذكار» (٤/ ١٥)، و «التمهيد» (١٥/ ١٠٧)، و «الهداية» (٢/ ١٩٣، ١٩٥)، و «الشرح الكبير» (٢/ ٥٤، ٥٥)، و «الشرح الصغير» (٢/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>