للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحَديثُ صَحيحُ الإسنادِ كما تَرى؛ لأنَّ طَبقتَه الأُولى مُحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَزيعٍ، وهو ثِقةٌ مَعروفٌ، وهو من رِجالِ مُسلمٍ في صَحيحِه، وبقِيةُ إسنادِه هو بعَينِه إسنادُ البُخاريِّ الذي ذكَرناه آنِفًا، وقولُه في هذا الحَديثِ الصَّحيحِ: «أيامَ منًى» بصيغةِ الجَمعِ صادِقٌ بأكثرَ من يَومٍ واحدٍ، فهو صادِقٌ بحَسَبِ وَضعِ اللُّغةِ ببعضِ أيامِ التَّشريقِ، والسُّؤالُ عن الرَّميِ بعدَ المَساءِ فيها لا يَنصرِفُ إلا إلى اللَّيلِ … فإنْ قيلَ: صيغةُ الجَمعِ في رِوايةِ النَّسائيِّ تُخصَّصُ بيومِ النَّحرِ الوارِدِ في رِوايةِ البُخاريِّ، فيُحمَلُ ذلك الجَمعُ على المُفرَدِ، نَظرًا لِتَخصيصِه به، ويُؤيِّدُ ذلك أنَّه في رِوايةِ أبي داودَ وابنِ ماجَه لحَديثِ ابنِ عَباسٍ المَذكورِ يومُ منًى بالإفرادِ.

فالجَوابُ: أنَّ المُقرَّرَ في الأُصولِ: أنَّ ذِكرَ بعضِ أفرادِ العامِّ لا يُخصِّصُه على مَذهبِ الجُمهورِ، خِلافًا لِأبي ثَورٍ، سَواءٌ كان العامُّ وبعضُ أفرادِه المَذكورةِ بحُكمِه في نَصٍّ واحدٍ أو نصَّيْن.

الدَّليلُ الثاني: عن أبي بَكرِ بنِ نافِعٍ عن أبيهِ: «أنَّ ابنةَ أخٍ لصَفيَّةَ بِنتِ أبي عُبيدٍ نُفسَت بالمُزدَلفةِ فتَخلَّفت هي وصَفيَّةُ حتى أتَتا منًى بعدَ أنْ غَربَت الشَّمسُ من يومِ النَّحرِ فأمَرهُما عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ أنْ تَرميا الجَمرةَ حينَ أتَتا ولم يَرَ عَليهِما شيئًا» (١)، وذلك يَدلُّ على أنَّه علِم من النَّبيِّ أنَّ الرَّميَ لَيلًا جائزٌ (٢).


(١) رواه الأمام مالك في «الموطأ» (١/ ٤٠٩) رقم (٩٢١)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٥/ ١٥٠).
(٢) «أضواء البيان» (٤/ ٤٥٥، ٤٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>