عنها عن أنْ يَكونَ من أهلِها، وبِذلك قال مالكٌ والشافِعيُّ وإسحاقُ، وذلك لأنَّ حُضورَ المَسجدِ الحَرامِ إنَّما يَحصلُ بنِيةِ الإقامةِ وفِعلِها، وهذا إنَّما نَوى الإقامةَ إذا فرَغ من أفعالِ الحَجِّ؛ لأنَّه إذا فرَغ من عُمرتِه فهو ناوٍ لِلخُروجِ إلى الحَجِّ، فكأنَّه إنَّما نَوى أنْ يُقيمَ بعدَ أنْ يَجبَ عليه الدَّمُ.
فأمَّا إنْ خرَج المَكيُّ مُسافِرًا غيرَ مُتنقِّلٍ ثم عاد فاعتمَر من الميقاتِ أو قصَّر وحَجَّ من عامِه فلا دَمَ عليه؛ لأنَّه لم يَخرجْ بهذا السَّفرِ عن كَونِ أهلِه من حاضِري المَسجدِ الحَرامِ.
ثم قال:(فَصلٌ) وهذا الشَّرطُ لوُجوبِ الدَّمِ عليه، وليس بشَرطٍ لكَونِه مُتمتِّعًا، فإنَّ مُتعةَ المَكيِّ صَحيحةٌ؛ لأنَّ التَّمتُّعَ أحدُ الأنساكِ الثَّلاثةِ، فصحَّ من المَكيِّ كالنُّسكَين الآخَريْن، ولأنَّ حَقيقةَ التَّمتُّعِ هي أنْ يَعتمرَ في أشهُرِ الحَجِّ ثم يحُجَّ من عامِه، وهذا مَوجودٌ في المَكيِّ.
وقد نُقل عن أحمدَ: ليس على أهلِ مكةَ مُتعةٌ، ومعناه ليس عليهم دَمُ المُتعةِ؛ لأنَّ المُتعةَ له لا عليه، فيَتعيَّنُ حَملُه على ما ذكَرناه.
ثم قال:(فَصلٌ) إذا ترَك الآفاقيُّ الإحرامَ من الميقاتِ أو أحرَم من دونِه بعُمرةٍ ثم حلَّ منها وأحرَم بالحَجِّ من مكةَ من عامِه فهو مُتمتِّعٌ عليه دَمانِ؛ دَمُ المُتعةِ ودَمٌ لإحرامِه من دونِ ميقاتِه.
قال ابنُ المُنذرِ وابنُ عبدِ البرِّ: أجمَع العُلماءُ على أنَّ من أحرَم في أشهُرِ الحَجِّ بعُمرةٍ وحلَّ منها، ولم يَكنْ من حاضِري المَسجدِ الحَرامِ ثم أقامَ بمكةَ حَلالًا، ثم حجَّ من عامِه، مُتمتِّعٌ عليه دَمٌ.