وذهَب الحَنابلةُ في المَذهبِ والإمامُ أبو حَنيفةَ في رِوايةٍ عنه إلى أنَّ أمْنَ الطَّريقِ شَرطٌ لِلأداءِ لا لِأصلِ الوُجوبِ؛ لِما رُوي أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ فسَّر الاستِطاعةَ بالزادِ والراحِلةِ، ولم يَذكُر أمْنَ الطَّريقِ، وهذا له زادٌ وراحِلةٌ، ولأنَّ هذا عُذرٌ يَمنعُ نَفسَ الأداءِ لم يَمنعِ الوُجوبَ كالعَضبِ، ولأنَّ إمكانَ الأداءِ ليسَ بشَرطٍ في وُجوبِ العِباداتِ، بدَليلِ ما لو طهُرتِ الحائضُ أو بلَغ الصَّبيُّ أو أفاقَ المَجنونُ، ولم يَبقَ من وقتِ الصَّلاةِ ما يُمكِنُ أداؤُها فيه، والاستِطاعةُ مُفسَّرةٌ بالزادِ والراحِلةِ، وفَقدُ الزادِ والراحِلةِ يَتعذَّرُ معه الجميعُ، فافترَقا.
وفائدةُ الخِلافِ تَظهرُ في وُجوبِ الوصيَّةِ إذا خافَ الفَوتَ، فمن قال: إنَّه من شَرائطِ الأداءِ، يَقولُ: إنَّه تَجبُ الوصيَّةُ إذا خافَ الفَوتَ، أي: من استَوفى شُروطَ الحَجِّ عندَ خَوفِ الطَّريقِ فماتَ قبلَ أمنِه يَجبُ عليه أنْ يُوصيَ بالحَجِّ، أمَّا إذا ماتَ بعدَ أَمنِ الطَّريقِ فتَجبُ عليه الوصيَّةُ بالحَجِّ اتَّفاقًا.
ومن قال: إنَّه من شَرطِ الوُجوبِ، يَقولُ: لا تَجبُ الوصيَّةُ؛ لأنَّ الحَجَّ لم يَجب عليه، ولم يَصرْ دَينًا في ذمَّتِه، فلا تَلزمُه الوصيَّةُ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٤٦، ٤٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥٠٩)، و «المبسوط» (٤/ ١٦٣)، و «الهداية» (١/ ١٣٠)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٤١٨)، و «الاختيار» (١/ ١٥١)، و «البحر الرائق» (٢/ ٣٣٨)، و «الشرح الكبير» (٢/ ٢٠٤)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٤٩١)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٢٢٩)، و «المجموع» (٧/ ٥٠)، و «المغني» (٤/ ٣٠٢/ ٣٠٣)، و «المبدع» (٣/ ٩٧).