للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أسبابِ الإمكانِ، فكلُّ ما كان من أسبابِ الإمكانِ يَدخلُ تحتَ تَفسيرِ الاستِطاعةِ مَعنًى، ولأنَّ في إيجابِ الحَجِّ على الأعمَى حرجَا بيِّنًا، ومَشقَّةً شَديدةً، وقَد قال اللهُ ﷿: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].

وذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ والصاحِبانِ من الحَنفيةِ وأبو حَنيفةَ في رِوايةِ الحَسنِ عنه إلى أنَّه يَجبُ على الأعمَى الحَجُّ بنَفسِه إذا وجَد زادًا وراحِلةً، ومن يَكفيه مُؤنةَ سَفرِه في خِدمَتِه -القائدَ- بلا مَشقَّةٍ شَديدةٍ؛ لِما رُوي أنَّ النَّبيَّ سُئل عن الاستِطاعةِ، فقال : «هي الزادُ والراحِلةُ» (١)، ففسَّر الاستِطاعةَ بالزادِ والراحِلةِ، ولِلأعمَى هذه الاستِطاعةُ، يَجبُ عليه الحَجُّ، ولأنَّ الأعمَى يَجبُ عليه الحَجُّ بنَفسِه إلا أنَّه لا يَهتَدي إلى الطَّريقِ بنَفسِه ويَهتَدي بالقائدِ فيَجبُ عليه، ولأنَّ الأعمَى مع وُجودِ القائدِ كالمُبصِرِ، وقاسَه الماوَرديُّ على جاهِلِ الطَّريقِ وأفعالِ الحَجِّ والأصمِّ، فإنَّهما يَلزمُهما الحَجُّ بالاتِّفاقِ، وكذلك يَلزمُهما الجُمُعةُ إذا وجَدا القائدَ.

قال النَّوويُّ : قال الرافِعيُّ: والقائدُ في حقِّ الأعمَى كالمَحرَمِ في حقِّ المَرأةِ، يَعني فيَكونُ في وُجوبِ استِئجارِه وَجهانِ: أصحُّهما: الوُجوبُ، وهو مُقتضَى كَلامِ الجُمهورِ، واللهُ أعلمُ (٢).


(١) حَديثٌ ضَعيفٌ: تقدم.
(٢) «المجموع» (٧/ ٥٤)، ويُنظَر: «بدائع الصنائع» (٣/ ٤٢، ٤٤)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٤١٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٦٥٨)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٤٩٨)، و «القوانين الفقهية» ص (٨٦)، و «الشرح الكبير» (٢/ ٢٠٥)، و «منهاج الطالبين» (١/ ٣٩)، و «مغني المحتاج» (١/ ٤٦٨)، و «نهاية المحتاج» (٣/ ٢٥١)، و «كشاف القناع» (٢/ ٤٥٧)، و «الإفصاح» (١/ ٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>