والجَوابُ عن قولِهم: عِبادةٌ بَدنيَّةٌ … إلى آخرِه، أنَّ الفرقَ ظاهِرٌ، فإنَّ الحَجَّ تَدخلُه النِّيابةُ، بخِلافِ الصَّلاةِ، واللهُ ﷾ أعلمُ.
قال إمامُ الحَرمَينِ في كِتابِه «الأساليب»: المُعوَّلُ عليه عندَنا في مَسألةِ الأخبارِ الصَّحيحةِ التي لا تَقبلُ التَّأويلَ، وذكَرَ بعضَ ما سبَقَ من الأحاديثِ، ثم ذكَرَ دَلائلَ من حيثُ القياسُ والمَعنى، ثم قالَ: وهذا تَكلُّفٌ بعدَ الأخبارِ الصَّحيحةِ، قال: ولا يَستَقيمُ لهم فَرقٌ أصلًا بينَ الصَّلاةِ والحَجِّ، فإنْ قالوا: في الحَجِّ مُؤنةٌ، قُلنا: تلك المُؤنُ في مالِ الوَليِّ على الصَّحيحِ، فلا ضَررَ على الصَّبيِّ، فإنْ قالوا: فيه مَشقَّةٌ، قُلنا: مَشقَّةُ المُواظَبةِ على الصَّلاةِ والطَّهارةِ وشُروطِهما أكثرُ، واللهُ ﷾ أعلمُ.
وقال ابنُ عبدِ البرِّ في «التَّمهيدِ»: صحَّح حجَّ الصَّبيِّ مالكٌ والشافِعيُّ وسائرُ فُقهاءِ الحِجازِ والثَّوريُّ وسائرُ فُقهاءِ الكوفةِ والأوزاعيُّ واللَّيثُ وسائرُ من سلَك سَبيلَهما من أهلِ الشامِ ومِصرَ، قال: وكلُّ من ذكَرناه يَستحِبُّ الحَجَّ بالصِّبيانِ ويَأمرُ به، قال: وعلى هذا جُمهورُ العُلماءِ من كلِّ قَرنٍ، قال: وقالت طائفةٌ: لا يُحجُّ بالصَّبيِّ، وهذا قَولٌ لا يُعرَّجُ عليه؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ حجَّ بأُغيلِمةِ بَني عبدِ المُطَّلبِ، وحجَّ السَّلفُ بصِبيانِهم، قال: وحَديثُ المَرأةِ التي رفَعت الصَّبيَّ وقالت: ألهذا حَجٌّ؟ قال: نَعمْ، ولكِ أجرٌ، قال: فسقَط كلُّ ما خالَف هذا، واللهُ ﷾ أعلمُ.
وقال القاضي عِياضٌ: أجمَعوا على أنَّ الصَّبيَّ إذا حجَّ ثم بلَغ لا يُجزِئُه عن حَجةِ الإسلامِ إلا فِرقةٌ شَذَّت لا يُلتفَتُ إليها.