للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكثَرَ ما فيه أنْ يَكونَ مُجمَلًا، وقد بَيَّنه النَّبيُّ بفِعلِه فرَوى أنَّه اعتكَف صائِمًا ولم يَنقُلْ أنَّه اعتكَف مُفطِرًا، ولأنَّه لَبِث في مَكانٍ مَخصوصٍ فلم يَكُنْ بمُجرَّدِه قُربةً كالوُقوفِ (١).

وذهَب الشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَشهورِ وهو ظاهِرُ الرِّوايةِ عندَ الحَنفيَّةِ إلى أنَّ الصَّومَ ليس بشَرطٍ لِصِحَّةِ الاعتِكافِ، لِما رُوي عن ابنِ عُمَرَ أنَّه قال: «يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ في الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»، قال: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» (٢).

ولو كان الصَّومُ شَرطًا لَما صَحَّ اعتِكافُ اللَّيلِ؛ لأنَّه لا صيامَ فيه، ولأنَّه عِبادةٌ تَصحُّ في اللَّيلِ فأشبَهَ سائِرَ العِباداتِ، ولأنَّ إيجابَ الصَّومِ حُكمٌ لا يَثبُتُ إلا بالشَّرعِ ولم يَصحَّ فيه نَصٌّ ولا إجماعٌ، ولأنَّ النَّبيَّ : «اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأُوَلَ من شَوَّالٍ» (٣)، وهذا يَتناوَلُ اعتِكافَ يَومِ العِيدِ ويَلزَمُ من صِحَّتِه أنَّ الصَّومَ ليس بشَرطٍ.

قال الكاسانيُّ : وأمَّا اعتِكافُ التَّطوُّعِ فالصَّومُ ليس بشَرطٍ لِجَوازِه في ظاهِرِ الرِّوايةِ وإنَّما الشَّرطُ أحَدُ رُكنَيِ الصَّومِ عَينًا، وهو الإمساكُ عن الجِماعِ لِقَولِه تَعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فأمَّا الإمساكُ عن الأكلِ والشُّربِ فليس بشَرطٍ، ورَوى الحَسَنُ عن أبي حَنفيةَ أنَّه شَرطٌ، واختِلافُ الرِّوايةِ فيه مَبنيٌّ على اختِلافِ الرِّوايةِ في اعتِكافِ


(١) «الإشراف» ص (٢١٢، ٢١٣).
(٢) رواه البخاري (١٩٣٨).
(٣) رواه مسلم (١١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>