للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الآيةِ لِاشتِراطِ المَسجِدِ أنَّه لو صَحَّ الاعتِكافُ في غَيرِ المَسجدِ لم يُخَصَّ لِتَحريمِ المُباشَرةِ بالاعتِكافِ في المَسجدِ، لأنَّها مُنافيةٌ لِلاعتِكافِ، فعُلِم أنَّ المَعنى بَيانُ أنَّ الاعتِكافَ إنَّما يَكونُ في المَساجِدِ؛ ولِلاتِّباعِ، لأنَّ النَّبيَّ لم يَعتكِفْ إلا في المَسجِدِ.

واتَّفَقوا على أنَّ الاعتِكافَ في المَساجدِ الثَّلاثةِ أفضَلُ من غَيرِها، والمَسجِدُ الحَرامُ أفضَلُ، ثم المَسجِدُ النَّبويُّ، ثم المَسجِدُ الأقصى، ثم اتَّفَقوا على أنَّ المَسجدَ الجامِعَ وهو ما تُقامُ فيه الجُمُعةُ يَصحُّ فيه الاعتِكافُ، وهو أوْلى من غَيرِه بعدَ المَساجِدِ الثَّلاثةِ.

ثم اختَلَفوا في المَساجدِ الأُخرى التي يَصحُّ فيها الاعتِكافُ:

فذهَب أبو حَنيفةَ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَصحُّ الاعتِكافُ إلا في مَسجدٍ تُقامُ فيه الجَماعةُ، أي: يُصلَّى فيه الصَّلَواتُ كلُّها؛ لأنَّ الجَماعةَ واجِبةٌ واعتِكافُ الرَّجلِ في مَسجدٍ لا تُقامُ فيه الجَماعةُ يُفضي إلى أحَدِ أمرَيْن: إمَّا إلى تَركِ الجَماعةِ الواجِبةِ، وإمَّا خُروجُه إليها، فيَتكرَّرُ ذلك منه كَثيرًا مع إمكانِ التَّحرُّزِ منه، وذلك مُنافٍ لِلاعتِكافِ، إذ هو لُزومُ المُعتكَفِ والإقامةُ على طاعةِ اللهِ فيه.

وذهَب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ وأبو يُوسفَ ومُحمدٌ من الحَنفيَّةِ إلى أنَّه يَصحُّ الاعتِكافُ في كلِّ مَسجدٍ، لِعُمومِ قَولِه تَعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ يَقتَضي إباحةَ الاعتِكافِ في كلِّ مَسجدٍ.

وعن أبي يُوسفَ : أنَّه فرَّق بينَ الاعتِكافِ في الواجِبِ والمَسنونِ فاشترَط لِلاعتِكافِ الواجِبِ مَسجدَ الجَماعةِ، وأمَّا النَّفلُ فيَجوزُ في أيِّ مَسجدٍ كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>