للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُوي عن النَّبيِّ أنَّه قُدِّم إليه سَمنٌ وتَمرٌ وهو صائِمٌ فقال: «رُدُّوا تَمرَكم في وِعَائِه ورُدُّوا سَمنَكم في سِقائِه؛ فإنَّي صائِمٌ» (١)، ولم يُفطِرْ، بل أتَمَّ صَومَه إلى اللَّيلِ على ظاهِرِ قَولِ اللهِ ﷿: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾، ولم يَخُصَّ فَرضًا من نافِلةٍ.

قال: «والاحتياطُ في أعمالِ البِرِّ أوْلَى ما قيلَ به في ذلك، وباللهِ التَّوفيقُ» (٢).

ثم إنَّ الحَنفيَّةَ قالوا: إنْ خرَج منه -أي: الصَّومِ- بدونِ عُذرٍ لَزِمه القَضاءُ، وعليه الإثْمُ والعِقابُ على تَركِه، وإنْ خرَج منه لِعُذرٍ، لَزِمه القَضاءُ ولا إثْمَ عليه (٣).

وقال المالِكيَّةُ: إنْ خرَج منه بعُذرٍ فلا قَضاءَ عليه ولا إثْمَ، وإنْ خرَج بغَيرِ عُذرٍ فعليه القَضاءُ، وعليه الإثْمُ والعِقابُ على تَركِه (٤).

وذهَب الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى عَدمِ لُزومِ صَومِ التَّطوُّعِ بالشُّروعِ فيه، ولا يَجِبُ على الصائِمِ تَطوُّعًا إتمامُه إذا بَدأ فيه، وله قَطعُه في أيِّ وَقتٍ شاءَ، ولا يَحرُمُ عليه ذلك، سَواءٌ خرَج بعُذرٍ أو بغَيرِ عُذرٍ، إلا أنَّه يُكرَهُ له قَطعُه بلا عُذرٍ، ويُستحَبُّ إتمامُه لِظاهِرِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)﴾، ولِلخُروجِ من خِلافِ مَنْ أوجَبَ إتمامَه من العُلماءِ.


(١) رواه البخاري (١٨٨١).
(٢) «التمهيد» (١٢/ ٧٥، ٨١).
(٣) «البدائع» (٢/ ٦٥١)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٣٦٢)، و «المبسوط» (٣/ ٦٨، ٧٠)، و «تحفة الفقهاء» (١/ ٥٣٨، ٥٣٩)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٣٣٧).
(٤) «حاشية الدسوقي» (١/ ٥٢٧)، و «الذخيرة» (٢/ ٥٢٨، ٥٢٩)، و «بداية المجتهد» (١/ ٤٢٦)، و «شرح الزرقاني» (١/ ٥٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>