الحالةُ الثانيةُ: أنْ يَبدأَ السَّفرَ بعدَ الفَجرِ، بأنْ يَطلُعَ الفَجرُ وهو مُقيمٌ ببَلدِه، ثم يُسافِرَ بعدَ طُلوعِ الفَجرِ أو في خِلالِ النَّهارِ فقد اختَلفَ الفُقهاءُ هل يَجوزُ له الفِطرُ في هذه الحالةِ أو لا يَجوزُ ويَلزَمُه الإفطارُ؟
فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا يَجوزُ له الفِطرُ ويَلزمُه إتمامُ الصِّيامِ؛ لأنَّها عِبادةٌ تَختلِفُ بالسَّفرِ والحَضرِ فوجَب إذا ابتَدأها في الحَضرِ ثم طَرأ عليه السَّفرُ أنْ يُغلِّبَ حُكمَ الحَضرِ كالصَّلاةِ والمَسحِ على الخُفَّيْن، ولأنَّه قد خلَط إباحةً بحَظرٍ، ولا بُدَّ من تَغليبِ أحَدِهما في الحُكمِ، فكان تَغليبُ الحَضرِ أوْلى.
ومع ذلك إنْ أفطَر فلا كَفَّارةَ عليه عندَ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ في المَشهورِ، وذلك لِلشُّبهةِ في آخِرِ الوَقتِ، ولأنَّه لَمَّا سافَر بعدَ الفَجرِ صارَ من أهلِ الفِطرِ، فسقَطت عنه الكَفَّارةُ.
والصَّحيحُ عندَ الشافِعيَّةِ أنَّه يَحرُمُ عليه الفِطرُ حتى لو أفطَر بالجِماعِ لَزمتْه الكَفَّارةُ (١).
وذهَب الحَنابِلةُ في المَذهبِ والمُزَنيُّ وغَيرُه من الشافِعيَّةِ وحَكاه ابنُ هُبَيرةَ عن المَدنيِّين من أصحابِ مالِكٍ إلى أنَّ مَنْ نَوى الصَّومَ في الحَضرِ ثم سافَر في أثناءِ اليَومِ، طَوعًا أو كَرهًا له الفِطرُ في ذلك اليَومِ بعدَ خُروجِه ومُفارَقتِه بُيوتَ قَريَتِه العامِرةِ، وخُروجِه من بينِ بُنيانِها؛ لِعُمومِ قولِه تَعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، ولِحَديثِ جابِرٍ ﵁: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ