فقال أبو حَنيفةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ في قَولٍ وأحمدُ في أظهَرِ الرِّوايتَيْن عنه: أنَّه يَجِبُ عليها الكَفَّارةُ أيضًا كالرَّجلِ: لأنَّ سَببَ الكَفَّارةِ جِنايةُ الإفسادِ، لا الوِقاعُ نَفسُه، وقد شارَكتْه فيه، ولا يَتحمَّلُ عنها؛ لأنَّها عِبادةٌ أو عُقوبةٌ، لا يُجزِئُ عنها التَّحمُّلُ، ولأنَّها هَتكَتْ صَومَ رَمضانَ بالجِماعِ، فوَجبَ عليها الكَفَّارةُ كالرَّجلِ.
ولأنَّ الجِماعَ سَببٌ مُوجِبٌ لِلكَفَّارةِ، وجَب أنْ يَشترِكا فيما يَلزمُ به، إذا اشترَكا فيه كالقَتلِ، ولأنَّ جَميعَ الأحكامِ المُتعلِّقةِ بالوَطءِ في حَقِّ الوَاطِئِ، مَحكومٌ بها في حَقِّ المَوطوءةِ، من وُجوبِ الغُسلِ، والفِطرِ، والحَدِّ، والإحصانِ، والقَضاءِ، فكذلك وُجودُ الكَفَّارةِ.
وذهَب الإمامُ الشافِعيُّ في المَذهَبِ عندَه والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا كَفَّارةَ عليها: لأنَّ النَّبيَّ ﷺ أمَر الوَاطئَ في رَمضانَ بأنْ يُعتِقَ رَقبةً ولم يأمُرْ في المَرأةِ بشَيءٍ، مع عِلمِه بوُجودِ ذلك منها، ولأنَّه حَقُّ مالٍ يَتعلَّقُ بالوَطءِ من بَينِ جِنسِه، فكان على الرَّجلِ كالمَهرِ.
قال الإمامُ الشافِعيُّ ﵀ في «الأُمِّ»: وإذا كفَر أجزَأَ عنه وعن امرأتِه وكذلك في الحَجِّ والعُمرةِ، وبهذا مَضَتِ السُّنَّةُ، ألَا تَرى أنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يَقُلْ: تُكفِّرُ المَرأةُ وأنَّه لم يَقُلْ في الخَبرِ في الذي جامَع في الحَجِّ تُكفِّرُ المَرأةُ.
فإنْ قال قائِلٌ: فما بالُ الحَدِّ عليها في الجِماعِ ولا تَكونُ الكَفَّارةُ عليها؟
قيلَ: الحَدُّ لا يُشبِهُ الكَفَّارةَ؛ ألَا تَرى أنَّ الحَدَّ يَختلِفُ في الحُرِّ والعَبدِ والثَّيِّبِ والبِكرِ.