للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الهَيثميُّ: رَوى جَماعةٌ أنَّه رُفعَ إليه قِدحٌ فيه سمٌّ ليَشربَ، فامتَنعَ وقالَ: إنِّي لأعلَمُ ما فيه، ولا أُعِينُ على قتلِ نَفسي، فطُرحَ، ثم صُبَّ في فِيه قَهرًا، فماتَ.

وقيلَ: إنَّ ذلك كانَ بحَضرةِ المَنصورِ، وصحَّ أنَّه لمَّا أَحسَّ بالمَوتِ سجَدَ، فخرَجَت نَفسُه وهو ساجدٌ.

وقيلَ: الامتِناعُ عن القَضاءِ لا يُوجبُ للمَنصورِ أن يَقتُلَه هذه القِتلةَ الشَّنيعةَ؟ وإنَّما السَّببُ في ذلك أن بعضَ أَعداءِ أَبي حَنيفةَ دسَّ إِلى المَنصورِ أنَّ أَبا حَنيفةَ هو الذي أَثارَ عليه إِبراهيمَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ الحَسنِ بنِ الحُسينِ ابنِ عليٍّ الخارجَ عليه بالبَصرةِ، فخافَ خَوفًا شَديدًا، ولم يَقرَّ له قَرارٌ، وأنَّه قوَّاه بمالٍ كَثيرٍ، فخشِيَ المَنصورُ من مَيلِه إِلى إِبراهيمَ؛ لأنَّه -أَعني: أَبا حَنيفةَ- كانَ وَجيهًا، ذا مالٍ واسعٍ من التِّجارةِ، فطلَبَه لبَغدادَ، ولم يَجسُرْ على قَتلِه بغيرِ سَببٍ، فطلَبَ منه القَضاءَ معَ عِلمِه بأنَّه لا يَقبلُه؛ ليَتوصَّلَ بذلك إلى قتلِه (١).

واتفَقوا على أنَّه -رَحمةُ اللهِ عليهِ- ماتَ سَنةَ مائةٍ وخَمسينَ، عن سَبعينَ سنةً، قالَ كَثيرونُ: وكانَ موتُه في رَجبٍ، وقيلَ: في شَعبانَ، وقيلَ: نصفَ شَوالٍ، ولم يُخلفْ غيرَ ولدِه حَمادٍ (٢).


(١) «الخيرات الحسان» (٩٢).
(٢) «الخيرات الحسان» بتصرف واختصار (٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>