للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولأنَّ المَنعَ لأجلِ تَعظيمِ القِبلةِ وهو مَوجودٌ في الصَّحراءِ والبُنيانِ فالجَوازُ في البُنيانِ إنْ كانَ لوُجودِ الحائِلِ فهو مَوجودٌ في الصَّحراءِ في البِلادِ النائيةِ؛ لأنَّ بينَها وبينَ الكَعبةِ جِبالًا وأَوديةً وغيرَ ذلك لا سيَّما عندَ مَنْ يَقولُ بكَرويةِ الأرضِ؛ فإنَّه لا مُوازاةَ إذْ ذاك بالكُليةِ.

وذهَبَ المالِكيةُ في المُعتمدِ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ استِقبالُ القِبلةِ واستِدبارُها في الصَّحراءِ عندَ قَضاءِ الحاجةِ ويَجوزُ ذلك في البُنيانِ.

واستدَلُّوا على ذلك بما رَواه البُخاريُّ ومُسلمٌ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ أنَّه قالَ: «رَقِيتُ يَومًا على بَيتِ أُختِي حَفصةَ فرَأيتُ رَسولَ اللهِ قاعِدًا لِحاجَتِه مُستَقبِلَ الشَّامِ مُستَدبِرَ القِبلةِ» (١).

وبما رَواه أبو داودَ عن مَروانَ الأصفَرِ أنَّه قالَ: «رأيتُ ابنَ عُمرَ أناخَ راحِلتَه مُستقبِلَ القِبلةِ ثم جلَسَ يَبولُ إليها، فقُلتُ: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ أليسَ قد نُهيَ عن هذا؟ قالَ: بَلى، إنَّما نُهي عن ذلك في الفَضاءِ، فإذا كانَ بينَك وبينَ القِبلةِ شَيءٌ يَسترُك فلا بأسَ» (٢).

قالَ النَّوويُّ : هذه أَحاديثُ صَحيحةٌ مُصرِّحةٌ بالجَوازِ في البُنيانِ، وحَديثُ أبي أيُّوبَ وسَلمانَ وأبي هُرَيرةَ ورَدَت بالنَّهيِ، فيُحملُ على الصَّحراءِ، ليَجمعَ بينَ الأَحاديثِ، ولا خِلافَ بينَ العُلماءِ في أنَّه إذا أمكَنَ


(١) رواه البخاري (١٤٨)، ومسلم (٢٢٦).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>