إلا أنَّهم اختَلَفوا هل النَّهيُ هنا للتَّحريمِ أو للكَراهةِ؟
فذهَبَ الجُمهورُ من الحَنفيةِ والمالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ إلى أنَّه للكَراهةِ؛ لأنَّه نَهيُ تَنزيهٍ وأدَبٍ.
وذهَبَ ابنُ نَجيمٍ من الحَنفيةِ وبَعضُ الشافِعيةِ كالشِّيرازيِّ وسُليمٍ الرازيِّ والمُتولِّي، والشَّيخِ نَصرٍ المَقدسيِّ إلى حُرمةِ الاستِنجاءِ باليَمينِ.
لكنْ قالَ الإمامُ النَّوويُّ: مُرادُ مَنْ قالَ منهم: لا يَجوزُ الاستِنجاءُ باليَمينِ، أي: لا يَكونُ مُباحًا مُستويَ الطَّرفَين في الفِعلِ والتَّركِ، بل هو مَكروهٌ راجِحُ التَّركِ (١).
ومع القَولِ بالتَّحريمِ فمَن فعَلَه أساءَ وأجزأَه.
وقال بعضُ الحَنابِلةِ وطائِفةٌ من الشافِعيةِ: لا يُجزئُ.
قالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ ﵀: قَولُه: (أي: البُخاريِّ) بابُ النَّهيِ عن الاستِنجاءِ باليَمينِ، أي: باليَدِ اليُمني، وعبَّرَ بالنَّهيِ إشارةً إلى أنَّه لم يَظهرْ له هل هو للتَّحريمِ أو للتَّنزيهِ أو أنَّ القَرينةَ الصارِفةَ للنَّهيِ عن التَّحريمِ لم تَظهرْ له، وهي أنَّ ذلك أدَبٌ من الآدابِ وبكَونِه للتَّنزيهِ، قالَ الجُمهورُ: وذهَبَ أهلُ الظاهِرِ إلى أنَّه للتَّحريمِ، وفي كَلامِ جَماعةٍ من الشافِعيةِ ما يُشعِرُ
(١) «البحر الرائق» (١/ ٢٥٥)، و «عمدة القاري» (٢/ ٢٩٦)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٣٣)، و «الذخيرة» (١/ ٢١٠)، و «المغني» (١/ ١٩٨)، و «نيل الأوطار» (١/ ١١٥)، و «شرح صحيح مسلم» (٣/ ١٢٨)، و «المجموع» (٢/ ١٢٩)، و «كشاف الإقناع» (١/ ٦١).