للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ أبو الوَليدِ الباجيُّ : إنَّ أهلَ الحاجةِ والفاقةِ إنَّما يَقصِدونَ الإمامَ ويَطلُبونَ منه لِكَونِ بَيتِ المالِ بيدَيه، فإنْ كانَ من أهلِ العَدلِ، فدفَعَ هذه الحُقوقِ إليه أَوْلى ليَضَعها في نَوائبِ المُسلِمينَ، وما يَعتَريه من ضَروراتِهم. لذلك يُستحَبُّ دَفعُها إلى الإمامِ (١).

يُستدَلُّ لِهذا القَولِ بما رَواه البُخاريُّ عن أبي هُريرةَ قالَ: وكَّلَني رَسولُ اللهِ بحِفظِ زَكاة رَمضانَ، فأَتانِي آتٍ فجعَلَ يَحثُو مِنْ الطَّعامِ فأخَذْتُه، وقُلتُ: واللهِ لأَرفَعنَّك إلى رَسولِ اللهِ ، قالَ: إنِّي مُحتاجٌ، وعَليَّ عِيالٌ ولِي حاجَةٌ شَديدَةٌ، قالَ: فخلَّيْتُ عنه، فأَصبَحتُ، فَقالَ النَّبيُّ : «يا أَبا هُريرةَ، ما فعَلَ أَسيرُكَ البارِحةَ»، قالَ: قلتُ: يَا رَسولَ اللهِ، شَكا حاجَةً شَديدَةً، وعِيالًا، فرَحِمتُه، فخلَّيْتُ سَبيلَهُ، قالَ: «أَما إنَّه قد كذَبَك، وسيَعودُ»، فعرَفْتُ أنَّه سيَعودُ؛ لقَولِ رَسولِ اللَّهِ : «إنَّه سيَعودُ، فرصَدْتُه»، فجاءَ يَحثُو مِنْ الطَّعامِ، فأخَذْتُه، فقُلتُ: لأَرفعَنَّك إلى رَسولِ اللهِ ، قالَ: دَعنِي فإنِّي مُحتاجٌ وعلَيَّ عِيالٌ، لا أَعودُ، فرحِمتُه، فخلَّيْتُ سَبيلَه، فأَصبَحتُ، فَقالَ لِي رَسولُ اللهِ : «يَا أَبا هُريرةَ، ما فعَلَ أَسيرُكَ»، قلتُ: يَا رَسولَ اللَّهِ، شَكا حَاجَةً شَديدَةً، وعِيالًا، فرحِمْتُه، فخَلَّيْتُ سَبيلَه، قالَ: «أَما إنَّه قد كذَبَك وسيَعودُ»، فرصَدْتُه الثَّالثةَ، فجاءَ يَحثُو مِنْ الطَّعامِ، فأخَذْتُه، فقُلتُ: لأَرفعَنَّك إلى رَسولِ اللهِ، وهذا آخرُ ثَلاثِ مرَّاتٍ،


(١) «المنتقى» للباجي (٢/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>