كذا ذكَرَه مُحمدٌ في كِتابِ الأشرِبةِ لو أنَّ رَجلًا صَبَّ خابيةً (١) من الخَمرِ في الفُراتِ، ورَجلًا آخَرَ أسفَلَ منه يَتوضَّأُ إنْ تغيَّرَ لَونُه أو طَعمُه أو ريحُه لا يَجوزُ، وإذا لم يَتغيرْ يَجوزُ.
ثم قالَ: وعن أبي حَنيفةَ في الجاهِلِ بالَ في الماءِ الجارِي وهناك رَجلٌ أسفَلَ منه يَتوضَّأُ به؟ قالَ: لا بأسَ به، وهذا لأنَّ الماءَ الجارِي مما لا يَخلصُ بَعضُه إلى بَعضٍ، فالماءُ الذي يَتوضَّأُ به يَحتملُ أنَّه نَجسٌ ويَحتملُ أنَّه طاهِرٌ، والماءُ طاهِرٌ في الأصلِ، وإنْ كانَت النَّجاسةُ مَرئيةً كالجِيفةِ ونَحوِها؛ فإنْ كانَ جَميعُ الماءِ يَجري على الجِيفةِ لا يَجوزُ التَّوضُّؤُ من أسفَلِ الجِيفةِ؛ لأنَّه نَجسٌ بيَقينٍ، والنَّجسُ لا يَطهرُ بالجَريانِ.
وإنْ كانَ أكثَرُه يَجري على الجِيفةِ فكذلك؛ لأنَّ العِبرةَ للغالِبِ.
وإنْ كانَ أقَلُّه يَجري على الجِيفةِ، والأكثَرُ يَجري على الطاهِرِ يَجوزُ التَّوضُّؤُ به من أسفَلِ الجيفةِ؛ لأنَّ المَغلوبَ مُلحقٌ بالعَدمِ في أَحكامِ الشَّرعِ.
وإنْ كانَ يَجري عليها النِّصفُ، أو دونَ النِّصفِ فالقياسُ أنَّه يَجوزُ التَّوضؤُ به؛ لأنَّ الماءَ كانَ طاهِرًا بيَقينٍ، فلا يُحكمُ بكَونِه نَجسًا بالشَّكِّ، وفي الاستِحسانِ لا يَجوزُ احتياطًا.
ثم قالَ: واختَلفَ المَشايخُ في حَدِّ الجَريانِ.
قال بَعضُهم: هو أنْ يَجريَ بالتِّبنِ والوَرقِ.
(١) الخابيةُ: وِعاءٌ كَبيرٌ من الطِّينِ يُصَبُّ فيه الماءُ أوالزَّيتُ ونَحوُهما. انظُرْ: «معجم لغة الفقهاء» (١٩١).