للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- أنَّه لا يُفهَمُ من ابنِ السَّبيلِ إلا الغَريبُ دونَ مَنْ هو في وَطنِه ومَنزِلِه، وإنِ انتَهَت به الحاجةُ مُنتَهاها، فوجَبَ على قَولِ الجُمهورِ أنْ يَحملَ المَذكورَ في الآيةِ على الغَريبِ دونَ غيرِه، وإنَّما يُعطَى وله اليَسارُ في بَلدِه؛ لأنَّه عاجِزٌ عن الوُصولِ إليه والانتِفاعِ به، فهو كالمَعدومِ في حقِّه، فإنْ كانَ ابنُ السَّبيلِ فَقيرًا في بَلدِه أُعطيَ لفَقرِه وكَونِه ابنَ سَبيلٍ؛ لوُجودِ الأمرَينِ فيه، وإنْ كانَ غَنيًّا في بَلدِه يُعطَى لكَونِه ابنَ سَبيلٍ؛ لأنَّه عاجِزٌ عن الوُصولِ إلى مالِه، فصارَ كالمَعدومِ، ويُعطَى قَدرَ ما يُوصِّلُه إلى بَلدِه؛ لأنَّ الدَّفعَ إليه لِهذه الحاجةِ، فيُقدَّرُ بقَدرِها (١).

وقد أجازَ الحَنابِلةُ إذا كانَ ابنُ السَّبيلِ مُجتازًا يُريدُ بَلدًا غيرَ بَلدِه أنْ يُدفعَ إليه ما يَكفيه في مُضِيِّهِ إلى مَقصِدِه ورُجوعِه إلى بَلدِه؛ لأنَّ فيه إِعانةً على السَّفرِ المُباحِ وبُلوغِ الغَرضِ الصَّحيحِ (٢).

والحَنفيةُ قالوا: مَنْ كانَ ببَلدِه وليسَ له بيَدِه مالٌ يُنْفِقُ منه وله مالٌ في بَلدٍ غيرِ بَلدِه لا يَصِلُ إليه رَأوْا أنْ يُلحقَ بابنِ السَّبيلِ.

وأُلحقَ به كلُّ مَنْ هو غائِبٌ عن مالِه وإنْ كانَ في بَلدِه؛ لأنَّ الحاجةَ هي المُعتبَرةُ وقد وُجدَت؛ لأنَّه فَقيرٌ يدًا، وإنْ كانَ غَنيًّا ظاهِرًا فيَجوزُ في بَلدِ


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٤٩٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٣٤٣)، و «فتح القدير» (٢/ ٢١٤)، و «الذخيرة» (٣/ ١٤٨، ١٤٩)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ٤٩٧، ٤٩٨)، و «بلغة السالك» (١/ ٤٩٢)، و «المغني» (٦/ ٣٣٥)، و «الإشراف» (١/ ١٩٣)، و «الإفصاح» (١/ ٣٦٩).
(٢) «المغني» (٦/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>