للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أَصحابُنا: وإذا أوجَبْنا الزَّكاةَ على العامِلِ لم يَلزمْه إِخراجُها قبلَ القِسمةِ. وهذا هو المَذهبُ، وبه قطَعَ المُصنِّفُ وسائِرُ العِراقيِّين والجُمهورُ؛ فإذا اقتسَمنا زَكَّى ما مَضى، وفيه وَجهٌ أنَّه يَلزمُه الإِخراجُ في الحالِ؛ لِتَمكُّنِه من القِسمةِ … والصَّوابُ الأولُ؛ لأنَّ المالَ ليسَ في يَدِه ولا تَصرُّفِه، فلا يَكونُ أكبَرَ من المالِ الغائِبِ الذي تَجري سَلامتُه ويُخافُ تَلفُه (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: لا زَكاةَ في حِصةِ مُضارِبٍ من رِبحٍ قبلَ قِسمةٍ، ولو قُلنا إنَّه يَملِكُ حِصتَه بالظُّهورِ لعَدمِ استِقرارِه؛ لأنَّه وِقايةٌ لِرأسِ المالِ فمِلكُه ناقِصٌ ويُزكِّي رَبُّ المالِ حِصتَه من الرِّبحِ نَصًّا كالأصلِ تَبعًا له لِمِلكِه الرِّبحَ بظُهورِه وتَبعيَّتِه لِمالِه، ولا يَجبُ على رَبِّ المالِ زَكاةُ حِصةِ المُضارِبِ من الرِّبحِ؛ لأنَّه غيرُ مالِكٍ لها، فلو دفَعَ حُرٌّ مُسلمٌ إلى رَجلٍ ألفًا مُضارَبةً على أنَّ الرِّبحَ بينَهما نِصفانِ فحالَ الحَولُ وقد ربِحَ المالَ ألفَينِ فعلى رَبِّ المالِ زَكاةُ ألفَينِ: رأسِ المالِ وحِصتِه من الرِّبحِ، وإذا أَداها -أي: زَكاةَ مالِ المُضاربةِ- رَبُّه من غيرِ مالِ المُضارَبةِ فرأسُ المالِ باقٍ؛ لأنَّه لم يَطرأْ عليه ما يَنقُصُه وإنْ أدَّى زَكاتَه منه تُحسَبُ زَكاتُه من أصلِ المالِ، ومِن قَدرِ حِصتِه، أي: رَبِّ المالِ، من الرِّبحِ، فيَنقُصُ رُبعُ عُشرِ رأسِ المالِ مع رُبعِ عُشرِ حِصةِ رَبِّ المالِ من الرِّبحِ ولا تُحسَبُ كلُّها من رأسِ المالِ وَحدَه ولا من الرِّبحِ وَحدَه. فيَكونُ خَمسةً وعِشرين، فيَصيرُ رأسُ المالِ تِسعَمئةٍ وخَمسةٍ وسَبعينَ.

وليسَ لِعامِلٍ إِخراجُ زَكاةٍ تَلزَمُ رَبَّ المالِ بلا إذْنِه نَصًّا فيَضمَنُها؛ لأنَّه ليسَ وَليًّا له ولا وَكيلًا عنه فيها.


(١) «المجموع» (٦/ ٦٠)، و «المهذب» (١/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>