للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، أو لكَونِ الفَرضِ لم يُوجَدْ في المالِ، ويَحتاجُ إلى شِرائِه، فلم يَجدْ ما يَشتَري به، أو حدَثَ في طَلبِ الشِّراءِ نَحوُ ذلك، حتى إنَّ الإمامَ مالِكًا قالَ: إنَّ المالِكَ لو أتلَفَ المالَ بعدَ الحَولِ قبلَ إمكانِ الأداءِ لا زَكاةَ عليه إذا لم يَقصِدِ الفِرارَ من الزَّكاةِ.

واحتجَ لِهذا القَولِ بأنَّ الزَّكاةَ عِبادةٌ يُشتَرطُ لوُجوبِها إمكانُ أَدائِها كالصَّلاةِ والصَّومِ.

وذهَبَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ التَّمكُّنَ من الأداءِ ليسَ شَرطًا لوُجوبِها، فلو هلَكَ المالُ بعدَ الحَولِ وقبلَ التَّمكُّنِ من الأداءِ لا تَسقُطُ الزَّكاةُ عنه؛ لأنَّه مالٌ وجَبَ في الذِّمةِ فلم يَسقُطْ بتَلفِ النِّصابِ كالدَّينِ.

واستَثنى الحَنابِلةُ من ذلك المُعشَّراتِ -وهي الحُبوبُ والثِّمارُ- إذا تلِفَت بآفةٍ سَماويَّةٍ لكَونِها لم تَدخُلْ تحتَ يَدِه، فهي كالدَّينِ الهالِكِ قبلَ قَبضِه، فإنْ بقِيَ بعدَ الجائِحةِ ما تَجبُ فيه الزَّكاةُ زَكَّاه.

أمَّا الحَنفيةُ فقالوا: إنَّ التَّمكُّنَ من الأداءِ ليسَ شَرطًا، وقالوا: إنَّ الزَّكاةَ تَسقُطُ بتَلفِ المالِ بعدَ الحَولِ سَواءٌ أَتمكَّنَ من الأداءِ أم لا؛ لأنَّ وُجوبَ الزَّكاةِ على التَّراخي، وذلك لِإطلاقِ الأمرِ بالزَّكاةِ، ومُطلَقُ الأمرِ لا يَقتَضي الفَورَ؛ فيَجوزُ لِلمُكلَّفِ تَأخيرُه، وإنْ هلَكَ بعضُ النِّصابِ سقَطَ من الواجِبِ فيه بقَدْرِ ما هلَكَ منه؛ لتَعلُّقِها بالعَينِ لا بالذِّمةِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٤٣١، ٥١٣)، و «فتح القدير» (٢/ ١١٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٢٠، ٧٣)، و «مجمع الضمانات» (٥٣)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ٤٤٣، ٤٥٤، ٥٠٣)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٣٦٣)، و «المدونة» (١/ ٤٤٩)، و «الأم» (٢/ ٤٤)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٨٢)، و «مغني المحتاج» (٢/ ١٧٧)، و «المجموع» (٦/ ٤٦٧)، و «الإفصاح» (١/ ٣٠٥)، و «المغني» (٣/ ٤٥٦)، و «كشاف القناع» (٢/ ١٨٢)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٩، ٤٠)، وانظر كتابَنا: «الجامع لأحكام الكفالة والضمانات على المذاهب الأربعة» (١/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>