وهذا كلُّه في الكافِرِ الأصليِّ، أمَّا من فُتنَ وارتدَّ (والعياذُ باللهِ) فإنْ كانَت الزَّكاةُ قد وجَبَت عليه في حالِ إسلامِه فلا تَسقُطُ عنه بالرِّدَّةِ عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ؛ لأنَّه حَقٌّ ثبَتَ وُجوبُه فلم يَسقُطْ برِدَّتِه، كغَرامةِ المُتلَفاتِ والدَّينِ فيَأخذُه الإمامُ من مالِه كما يَأخذُ الزَّكاةَ من المُسلمِ المُمتنِعِ، فإنْ أسلَمَ بعدَ ذلك لم يَلزَمْه أَداؤُها.
وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ الزَّكاةَ تَسقُطُ بالرِّدَّةِ؛ لأنَّ مِنْ شَرطِها النِّيةَ كالصَّلاةِ، ونيَّةُ العِبادةِ وهو كافِرٌ غيرُ مُعتبَرةٍ، فتَسقُطُ بالرِّدَّةِ، كالصَّلاةِ، حتى ما كانَ منها زَكاةَ الخارجِ من الأرضِ.
وأمَّا إذا ارتَدَّ قُبيلَ تَمامِ الحَولِ على النِّصَابِ فلا يَثبُتُ الوُجوبُ عندَ الجُمهورِ من الحَنفيةِ والحَنابِلةِ والشافِعيةِ في قَولٍ؛ لأنَّ الإِسلامَ شَرطٌ لوُجوبِ الزَّكاةِ، فعَدمُه في بعضِ الحَولِ يُسقِطُ الزَّكاةَ كالمِلكِ والنِّصابِ، فإن رجَعَ إلى الإِسلامِ قبلَ مُضيِّ الحَولِ استَأنفَ حَولًا.
والأصَحُّ عندَ الشافِعيةِ أنَّ مِلْكَه لِمالِه مَوقوفٌ، فإنْ عادَ إلى الإِسلامِ تَبيَّنَ بَقاءُ مِلكِه فتَجِبُ فيه الزَّكاةُ، وإنْ لم يَرجِعْ إلى الإِسلامِ يُحكَمْ بزَوالِ مِلكِه، فلا تَجبُ عليه الزَّكاةُ، وعندَ الشافِعيةِ قَولٌ ثالِثٌ وهو أنَّه لا يَزولُ مِلكُه، فتَجِبُ عليه الزَّكاةُ؛ لأنَّه حَقٌّ التزَمه بالإِسلامِ، فلم يَسقُطْ عنه بالرِّدَّةِ كحُقوقِ الآدميِّينَ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٨٤، ٣٨٥)، و «فتح القدير» (٢/ ١٣)، و «ابن عابدين» (٢/ ٤)، و «مجمع الأنهر» (١/ ١٩٢)، و «المجموع» (٦/ ٤٥٨، ٤٥٩)، و «المغني» (٢/ ٣٤٧، ٣٤٨) ط: دار الفكر.