أمَّا شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وابنُ القَيمِ فقد فَرَّقا في ذلك:
فقال شَيخُ الإِسلامِ وابنُ القَيمِ -رحمهما الله-: ولَم يَكنْ مِنْ هَديِه ﷺ الصَّلاةُ على كلِّ ميِّتٍ غائِبٍ، فقد ماتَ خَلقٌ كَثيرٌ مِنْ المسلِمينَ وهُم غُيَّبٌ فلَم يُصلِّ عليهم، وصَحَّ عنه ﷺ أنَّه صلَّى على النَّجاشيِّ صَلاتَه على الميِّتِ فاختَلفَ الناسُ في ذلك على ثَلاثِ طُرُق:
إِحداها: أنَّ هذا تَشريعٌ منه وسُنةٌ للأُمةِ الصَّلاةُ على كلِّ غائِبٍ، وهذا قَولُ الشافِعيِّ وأحمدَ في إحدى الرِّوايتَينِ عنه.
وقالَ أبو حَنيفةَ ومالِكٌ: هذا خاصٌّ به، وليسَ ذلك لغيرِه.
قال أَصحابُهما: ومِن الجائِزِ أنْ يَكونَ رُفعَ له سَريرُه فصلَّى عليه وهو يَرى صَلاتَه على الحاضِرِ المُشاهَدِ، وإنْ كانَ على مَسافةٍ مِنْ البُعدِ والصَّحابةُ -وإنْ لَم يَروْه- هُمْ تابِعون للنَّبيِّ ﷺ في الصَّلاةِ.
قالوا: ويَدُلُّ على هذا أنَّه لَم يُنقَلْ عنه أنَّه كانَ يُصلِّي على كلِّ الغائِبِين غيرِه، وتَركُه سُنةٌ كما أنَّ فِعلَه سُنةٌ، ولا سَبيلَ لِأحدٍ بعدَه أنْ يُعايِنَ سَريرَ الميِّتِ مِنْ المَسافةِ البَعيدةِ ويُرفَعَ له حتى يُصلِّيَ عليه، فعُلمَ أنَّ ذلك مَخصوصٌ به ﷺ.
وقالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميَّةَ: الصَّوابُ أنَّ الغائِبَ إنْ ماتَ ببَلدٍ لَم يُصلَّ عليه فيه صُليَ عليه صَلاةُ الغائِبِ، كما صلَّى النَّبيُّ ﷺ على النَّجاشيِّ؛ لأنَّه ماتَ بينَ الكُفارِ ولَم يُصلَّ عليه، وإنْ صُلِّيَ عليه حيثُ ماتَ لَم يُصلِّ عليه صَلاةَ الغائِبِ؛ لأنَّ الفَرضَ قد سقَطَ بصَلاةِ المسلِمينَ عليه،