للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَببُ اختِلافِهم: مُعارضةُ العَملِ لِلأثرِ: أمَّا مُخالَفةُ العَملِ: فإنَّ ابنَ القاسِمِ قالَ: قُلتُ لمالكٍ: فالحَديثُ الذي جاءَ عن النَّبيِّ أنَّه صلَّى على قبْرِ امرأةٍ؟ (١)، قالَ: قد جاءَ هذا الحَديثُ وليسَ عليه العَملُ، والصَّلاةُ على القبْرِ ثابِتةٌ باتِّفاقٍ مِنْ أَصحابِ الحَديثِ.

قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: رُوِيتِ الصَّلاةُ على القبْرِ عن النَّبيِّ مِنْ طُرقٍ سِتةٍ كلُّها حِسانٌ، وزادَ بعضُ المُحدِّثينَ ثَلاثةَ طُرقٍ، فذلك تِسعةٌ. وأمَّا البُخاريُّ ومُسلمٌ فرَويا ذلك مِنْ طَريقِ أَبي هُريرةَ، وأمَّا مالِكٌ فخرَّجَه مُرسَلًا عن أَبي أُمامةَ بنِ سُهَيلٍ.

وقد رَوى ابنُ وَهبٍ عن مالِكٍ مِثلَ قَولِ الشافِعيِّ، وأمَّا أبو حَنيفةَ فإنَّه جَرى في ذلك على عادَتِه فيما أحسَبُ، أعني: مِنْ رَدِّ أَخبارِ الآحادِ التي تَعمُّ بها البَلْوى، إذا لم تَنتشِرْ، ولا انتشَرَ العَملُ بها، وذلك أنَّ عَدمَ الانتِشارِ إذا كانَ خَبرًا شأنُه شأنُ الانتشارِ قَرينةٌ تُوهِنُ الخبَرَ وتُخرِجُه عن غَلبةِ الظَّنِّ بصِدقِه إلى الشَّكِّ فيه، أو إلى غَلبةِ الظَّنِّ في كَذِبِه أو نَسخِه.

قال القاضِي ابنُ رُشدٍ: وقد تَكلَّمنا في كِتابِنا هذا في وَجهِ الاستِدلالِ بالعَملِ، وفي هذا النَّوعِ مِنْ الاستِدلالِ الذي يُسمِّيه الحَنفيةُ عُمومَ البَلوى، وقُلنا: إنَّها مِنْ جِنسٍ واحِدٍ (٢).


(١) أخرجه البخاري (٤٤٨)، ومسلم (٩٥٦).
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٣٢٩، ٣٣٠)، وانظر: «الاستذكار» (٣/ ٣٤)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ١١٩)، و «تبين الحقائق» (١/ ٢٤٠)، و «البدائع» (٢/ ٣٦٤)، و «البحر الرائق» (٢/ ١٩٦)، و «الأوسط» (٥/ ٤١٣)، و «الحاوي الكبير» (٣/ ٥٩)، و «شرح الزركشي» (١/ ٣٢٧)، و «المغني» (٣/ ٢٨٤)، و «الإفصاح» (١/ ٢٨٧)، و «كشاف القناع» (٢/ ١٢١)، و «المبدع» (٢/ ٢٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>