للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما رُويَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «إذا ماتَ الْإِنسانُ انقَطعَ عمَلُه إلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدقَةٍ جارِيَةٍ، وعِلمٍ يُنتَفعُ بِهِ، ووَلَدٍ صالِحٍ يَدعُو له» (١).

والإِحرامُ ليسَ مِنْ هذه الثَّلاثةِ؛ ولأنَّها عِبادةٌ لها إِحرامٌ وإحلالٌ، وأُبيحَ له التَّحلُّلُ فيها، فوجَبَ أنْ يَخرُجَ منها بالمَوتِ كالصَّومِ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ المُحرِمَ أو المُحرِمةَ إذا ماتا لَم يَنقطِعْ إِحرامُهما، فَيَحرُمُ تَطيبُهما وأَخذُ شَيءٍ مِنْ شَعرِهما أو أَظفارِهما، ويَحرُمُ سَترُ رأسِ الرَّجلِ وإلباسُه مَخيطًا، ويَحرُمُ سَترُ وَجهِ المُحرِمةِ؛ لِما رَوى ابنُ عَباسٍ أنَّ النَّبيَّ قالَ في المُحرِمِ الذي وَقصَتْه ناقَتُه فماتَ: «اغسِلُوه بِماءٍ وَسِدرٍ وكفِّنوه في ثَوبَيْه، ولا تَمَسُّوه بطِيبٍ ولا تُخمِّرُوا رَأسَه؛ فإنَّه يُبعَثُ يَومَ القِيامَةِ مُلبِّيًا» (٣).

قال ابنُ رُشدٍ : وسَببُ اختِلافِهم -أي: الحَنفيةُ والمالِكيةُ مع الشافِعيةِ والحَنابِلةِ- مُعارَضةُ العُمومِ لِلخُصوصِ، فأمَّا الخُصوصُ: فهو حَديثُ ابنِ عَباسٍ السابِقِ ذِكرهُ، وأمَّا العُمومُ: فهو ما ورَدَ مِنْ الأمرِ بالغُسلِ مُطلَقًا، فمَن خَصَّ مِنْ الأَمواتِ المُحرِمَ بهذا الحَديثِ كتَخصيصِ الشُّهداءِ


(١) رواه مسلم (١٦٣١).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٣٠)، و «عمدة القاري» (٨/ ٥١)، (١٠/ ٢٠٠)، و «الحجة» (١/ ٣٥٢)، و «الكافي» لابن عبد البر (١/ ٨٧)، و «بداية المجتهد» (١/ ٣٢٢)، و «الشرح الصغير» (١/ ٣٦٠)، و «الذخيرة» (٢/ ٢٧٩).
(٣) رواه البخاري (١٢٦٥)، ومسلم (١٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>