اتَّفقَ الأئِمةُ الأربَعةُ على أنَّ الميِّتَ إذا ماتَ غيرَ مَختونٍ يُتركُ على حالِه ولا يُختَنُ؛ لأنَّ الخِتانَ إبانةٌ لجُزءٍ مِنْ أَعضاءِ الميِّتِ فلا يُشرعُ، ويُفعَلُ للتَّكليفِ به، وقد زالَ بالمَوتِ، وقياسًا على مَنْ وجَبَ قَطعُ يَدِه في سَرِقةٍ أو قِصاصٍ، فإنْ ماتَ قبلَ أنْ يُتمكَّنَ منه، فقد أَجمَعوا على أنَّها لا تُقطَعُ.
وقالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: لا يَجبُ خِتانُ الميِّتِ باتِّفاقِ الأُمةِ، وهل يُستحَبُّ؟ فجُمهورُ أهلِ العِلمِ على أنَّه لا يُستحَبُّ، وهو قَولُ الأئِمةِ الأربَعةِ، وذكَرَ بعضُ الأئِمةِ المتأخِّرينَ أنَّه مُستحَبٌّ، وقاسَه على أخْذِ شارِبِه وحلْقِ عانَتِه ونَتفِ إبطِه، وهذا مُخالِفٌ لِما عليه عَملُ الأُمةِ وهو قياسٌ فاسِدٌ، فإنَّ أخْذَ الشارِبِ وتَقليمَ الظُّفرِ وحَلقَ العانةِ مِنْ تَمامِ طَهارتِه وإزالةِ وَسخِه ودَرنِه.
وأمَّا الخِتانُ فهو قَطعُ عُضوٍ مِنْ أَعضائِه، والمَعنى الذي لِأجلِه شُرعَ في الحياةِ قد زالَ بالمَوتِ؛ فلا مَصلَحةَ في خِتانِه، وقد أخبَرَ النَّبيُّ ﷺ أنَّه يُبعَثُ يَومَ القيامةِ بغُرلَتِه غيرَ مَختونٍ، فما الفائِدةُ أنْ يُقطَعَ منه عندَ المَوتِ عُضوٌ يُبعَثُ به يَومَ القيامةِ، وهو مِنْ تَمامِ خَلْقِه في النَّشأةِ الأُخرى (١).
(١) «تحفة المولود» (١/ ٢٠٠)، و «البدائع» (٢/ ٣٠٧)، و «الإشراف» (١/ ١٤٧)، و «المجموع» (٦/ ٢٣٥)، و «المغني» (٣/ ٣٠٥)، و «الإفصاح» (١/ ٢٧٤)، و «بداية المجتهد» (١/ ٣٢٠).