وما ثبَتَ كَونُه سُنةً في حَقِّه ﷺ فهو سُنةٌ في حَقِّ غيرِه، والذي فُعلَ به ﷺ هو الأكمَلُ. وقالَ الإمامُ أحمدُ: غُسِّلَ النَّبيُّ ﷺ في قَميصٍ، وقد أَرادوا خَلعَه فنُودُوا أنْ لا تَخلَعوه واستُروا نَبيَّكم، وقالَ سَعدٌ:«اصْنَعُوا بِي كما صُنعَ برَسولِ اللهِ ﷺ».
وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في وَجهٍ والحَنابِلةُ في الرِّوايةِ الأُخرى إلى أنَّ الأفضلَ أنْ يُغسَّلَ مُجرَّدًا مِنْ ثيابِه إلا أنَّه تُستَرُ عَورَتُه؛ لأنَّ تَجريدَه أمكَنُ لتَغسيلِه، وأبلَغُ في تَطهيرِه، والحَيُّ يَتجرَّدُ إذا اغتسَلَ، فكذا الميِّتُ، ولأنَّه إذا اغتسَل في ثَوبِه تَنجَّسَ الثَّوبُ بما يَخرُجُ، وقد لا يَطهُرُ بصَبِّ الماء عليه، فيَتنجَّسُ الميِّتُ به، ولأنَّ ذلك كانَ هو العَملَ على عَهدِ النَّبيِّ ﷺ كما يُفيدُه حَديثُ عائِشةَ ﵂ قالَت:«لمَّا أَرادُوا غَسلَ النَّبيِّ ﷺ قالوا: واللهِ ما نَدرِي أَنُجرِّدُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ ثِيابِه كما نُجرِّدُ مَوتانا أَمْ نُغسِّلُه وعلَيه ثِيابُه؟»(١)، فدَلَّ ذلك على أنَّ عدَمَ التَّجريدِ كانَ خاصًّا به ﷺ، ولأنَّ ما يُخشَى مِنْ تَنجيسِ قَميصِه بما يَخرجُ منه كانَ مَأمونًا في حَقِّ النَّبيِّ ﷺ؛ لأنَّه طيِّبٌ حيًّا وميِّتًا، بخِلافِ غيرِه، وإنَّما قالَ سَعدٌ: الحَدوا لي لَحدًا، وانْصِبُوا على الَّلبِنِ نَصبًا، كما صُنعَ برَسولِ اللهِ ﷺ، ولو ثبَتَ أنَّه أرادَ الغُسلَ، فأمرُ رَسولِ اللهِ ﷺ أَولى بالاتِّباعِ.
(١) رواه أبو داود (١/ ٣١)، وأحمد (٦/ ٢٧٦)، وابن الجارود في «المنتقى» (٥١٧)، وغيرهم وقال الألباني في «أحكام الجنائز» (٦٦): سندُه صحيحٌ.