اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو فُقدوا -أي الوَرثةُ- مِنْ الرِّجالِ والنَّساءِ كلُّهم، أو فضَلَ عمَّنْ وُجدَ منهم شَيءٌ هل يَرثُ ذَوو الأَرحامِ ويُردُّ الباقِي عليهم أم لا يَرثونَ ويُردُّ الباقِي على ذَوي الفُروضِ أو يُردُّ إلى بيتِ المالِ على تَفصيلٍ عندَهم في ذلك؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والحنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إِذا لَم يَكنْ للمَيتِ عَصبةٌ ولا ذُو سَهمٍ ورِثَه ذَوو الأَرحامِ، لكنْ يُقدَّمُ عليهم المَولَى والردُّ، فإنْ كانَ له مَولًى مُنعمٌ ورِثَ، وإن لم يَكنْ له مَولًى مُنعمٌ وهناك مَنْ له فَرضٌ كالابنةِ والأُختِ كانَ الباقِي لصاحبِ الفَرضِ بالردِّ، وإنْ لَم يَكنْ هناك أحدٌ من أهلِ الفُروضِ ورِثَ ذَوو الأَرحامِ ولا يُردُّ إلى بيتِ المالِ.
والأَصلُ في هذا أنَّ ذَوي الأَرحامِ أَولى بالمِيراثِ مِنْ بَيتِ المالِ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥]، أيْ: أحقُّ بالتَّوارثِ في حُكمِ اللهِ تَعالى.
قالَ أهلُ العِلمِ: كانَ التَّوارثُ في ابتِداءِ الإِسلامِ بالحِلفِ، وكانَ الرَّجلُ يَقولُ للرَّجلِ:«دَمي دمُك ومالِي مالُك، تَنصرُني وأَنصرُك، وتَرثُني وأَرثُك» فيَتعاقَدانِ الحِلفَ بينَهما على ذلك فيَتوارَثانِ به دونَ القَرابةِ، وذلك قولُ اللهِ ﷿: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣] ثم نُسخَ ذلك وصارَ التَّوارثُ بالإِسلامِ والهِجرةِ.
فإذا كانَ له ولدٌ ولَم يُهاجِرْ ورِثَه المُهاجِرونَ دونَه، وذلك قولُه ﷿: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢]