التَّوارُثِ وهي القَرابةُ والنِّكاحُ والوَلاءُ، فإذا ماتَ مُسلمٌ في بِلادِ الكُفارِ وَرثَه أقارِبُه من المُسلِمينَ في أيِّ بَلدٍ كانَ.
إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفوا في غيرِ المُسلِمينَ إذا اختَلفَت دِيارُهم بأنْ كانَ هناك شَخصانِ أَحدُهما في الهِندِ مَثلًا وله دُورٌ وسُلطانٌ ومَنعةٌ، والآخَرُ في بِلادِ التُّركِ مَثلًا وله دارٌ ومَنعةٌ أُخرى وانقطَعَت بينَهما العِصمةُ حتى إنَّ أَحدَهما يَستحِلُّ قَتلَ الآخَرِ هل إذا ماتَ أَحدُهما ورِثَه الآخَرُ أو لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في المَشهورِ وأكثَرُ الحَنابِلةِ إلى أنَّه لا توَارُثَ بينَهما، فاختِلافُ الدارَينِ على التَّفصيلِ السابِقِ يَمنعُ المِيراثَ بينَهما لعَدمِ وُجودِ التَّناصرِ والمُوالاةِ بينَهما لاختِلافِ دارِ كلٍّ منهما، والمُوالاةُ والتَّناصرُ أَساسُ المِيراثِ، فعليه لا يَرثُ الحَربيُّ الذِّميَّ (١).
وذهَبَ المالِكيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّ غيرَ المُسلمِ يَرثُ قَريبَه غيرَ المُسلمِ وإنْ تباعَدَت الدارُ واختَلفَت إذْ لا يُوجدُ دَليلٌ على المَنعِ من المِيراثِ بعدَ تَحقُّقِ سَببِه وشَرطِه، فأهلُ المِلةِ الواحِدةِ يَتوارَثونَ وإنِ اختَلفَت دِيارُهم؛ لأنَّ العُموماتِ من النُّصوصِ تَقتَضي تَوريثَهم ولم يَرِدْ بتَخصيصِهم نَصٌّ ولا إِجماعٌ ولا يَصحُّ فيهم قياسٌ فيَجبُ العَملُ بعُمومِها، ومَفهومُ قَولِه ﷺ:«لا يَتوارَثُ أهلُ مِلتَينِ شَتَّى» أنَّ أهلَ المِلةِ الواحِدةِ يَتوارَثونَ.
(١) «الجوهرة النيرة» (٦/ ٤٣٧)، و «اللباب» (٢/ ٦١٤)، و «الحاوي الكبير» (٨/ ٨٠)، و «النجم الوهاج» (٦/ ١٧٢)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٢).