للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَولُ الثاني: أنَّ الكُفرَ كلَّه مِلةٌ واحِدةٌ، فيَرثُ اليَهوديُّ النَّصرانِيَّ ويَرثُ النَّصرانِيُّ اليَهوديَّ، وهو قَولُ الحَنفيةِ والشافِعيةِ وأَحمدَ في رِوايةٍ وأَبي ثَورٍ وداودَ والثَّوريِّ وحَمادٍ وابنِ شُبرمةَ.

قالوا: لأنَّ تَوريثَ الآباءِ من الأَبناءِ والأَبناءِ من الآباءِ مَذكورٌ في كِتابِ اللهِ تَعالى ذِكرًا عامًّا، فلا يُتركُ إلا فيما استَثناه الشَّرعُ، والذي لم يَستَثنِه الشَّرعُ يَبقى على العُمومِ، ولأنَّ قَولَ اللهِ تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٣] عامٌّ في جَميعِهم.

قالَ الإِمامُ السَّرخَسيُّ : وحُجتُنا في ذلك أنَّ اللهَ تَعالى جعَلَ الدِّينَ دِينَينِ؛ الحَقَّ والباطِلَ، فقالَ اللهُ ﷿: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٦] وجعَلَ الناسَ فَريقَينِ، فقالَ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ﴾ وهُم المُؤمِنونَ، ﴿وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] وهُم الكُفارُ بأَجمعِهم، وجعَلَ الخَصمَ خَصمَينِ، فقالَ : ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ [الحج: ١٩] يَعني الكُفارَ أجمَعين مع المُؤمِنينَ.

والدَّليلُ عليه: أنَّا نُسلِّمُ بأنَّهم فيما بينَهم أهلُ مِللٍ فيما يَعتقِدونَ، ولكنَّهم عندَ مُقابَلتِهم بالمُسلِمينَ أهلُ مِلةٍ واحِدةٍ؛ لأنَّ المُسلِمينَ يُقِرُّون برِسالةِ مُحمدٍ وبالقُرآنِ، وهم يُنكِرونَ ذلك بأجمَعِهم، وبه كَفَروا فكانوا في حَقِّ المُسلِمينَ أهلَ مِلةٍ واحِدةٍ في الشِّركِ، وإنِ اختَلفَت نِحَلُهم فيما بينَهم، وكذلك مَنْ يَعبدُ منهم صَنمًا، ومَن يَعبدُ صَنمًا آخَرَ ويُكفِّرُ كلُّ واحِدٍ منهم صاحِبَه فهم أهلُ مِلةٍ واحِدةٍ وإنِ اختَلفَت نِحلُهم، فكذلك الكُفارُ بأجمَعِهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>