للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحدٍ أَغيَرُ مِنْ اللهِ أَنْ يَزنِيَ عَبدُهُ أو تَزنِيَ أَمَتُه؛ يا أُمةَ مُحمَّدٍ، واللهِ لو تَعلَمونَ ما أَعلَمُ لضَحِكتُم قَلِيلًا وَلبكَيتُم كَثيرًا» (١).

قالوا: فإنَّ النَّبيَّ أمَرَهم بالصَّلاةِ والدُّعاءِ والتَّكبيرِ والصَّدقةِ، ولم يَأمرْهم بخُطبةٍ، ولو كانَت سُنةً لَأمرَهم بها، ولأنَّها صَلاةٌ يَفعلُها المُنفرِدُ في بَيتِه، فلم يُشرعْ لها خُطبةٌ، وإنَّما خطَبَ النَّبيُّ بعدَ الصَّلاةِ ليُعلِّمَهم حُكمَها، وهذا مُختَصٌّ به.

وذهَبَ الشافِعيةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يُسنُّ أن يَخطُبَ الإمامُ لها خُطبَتينِ بعدَ الصَّلاةِ، وصِفَتُها كخُطبَتيِ الجمُعةِ في الأَركانِ والشُروطِ وغيرِها؛ لحَديثِ عائشةَ السابقِ.

قالَ ابنُ رُشدٍ : والسَّببُ في اختِلافِهم: اختِلافُ العِلةِ التي مِنْ أجلِها خطَبَ رَسولُ اللهِ النَّاسَ لمَّا انصَرفَ مِنْ صَلاةِ الكُسوفِ على ما في حَديثِ عائشةَ، وذلك أنَّها رَوت أنَّه لمَّا انصرَفَ مِنْ الصَّلاةِ وقد تَجلَّتِ الشَّمسُ، حمِدَ اللهَ وأَثنى عليه، ثم قالَ: «إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ آيَتانِ من آياتِ اللهِ … » الحَديثَ. فزعَمَ الشافِعيُّ أنَّه إنَّما خطَبَ لأنَّ مِنْ سُنةِ هذه الصَّلاةِ الخُطبةَ، كالحالِ في صَلواتِ العِيدَينِ والاستِسقاءِ، وزعَمَ بعضُ من قالَ بقولِ أولئك أنَّ خُطبةَ النَّبيِّ إنَّما كانَت يَومئذٍ لأنَّ النَّاسَ زَعَموا أنَّ الشَّمسَ إنَّما كَسفَت لمَوتِ إِبراهيمَ ابنِه (٢).


(١) رواه البخاري (٩٩٧)، ومسلم (٩٠٥).
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٢٩٤، ٢٩٥)، و «بدائع الصنائع» (١/ ٢٨٢)، و «الهداية» (٢/ ٩٠)، و «البناية» (٣/ ١٧١، ١٧٣)، و «الأمُّ» (١/ ٢٤٥)، و «حِلية العلماء» (٢/ ٢٦٩)، و «المجموع» (٦/ ١٢٠)، و «المغني» (٣/ ١٥٨)، و «الإفصاح» (١/ ٢٦٤)، و «المبدع» (٢/ ١٩٧)، و «الإنصاف» (٢/ ٤٤٨)، و «فتح الباري» (٢/ ٦٢٠، ٦٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>