للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ضِرارُ بنُ صُردَ: سُئلَ يَزيدُ بنُ هارونَ أيُّهما أَفقهُ: الثَّوريُّ أو أَبو حَنيفةَ؟ فقالَ: أَبو حَنيفةَ أَفقهُ، وسُفيانُ أَحفظُ للحَديثِ (١).

قالَ في هامشِ «السِّير»: وأما ما يُؤثَرُ عن النَّسائيِّ وابنِ عَديٍّ من تَضعيفِهما لأَبي حَنيفةَ من جِهةِ حِفظِه، فهو مَردودٌ لا يُعتدُّ به في جَنبِ تَوثيقِ أَئمةِ الجَرحِ والتَّعديلِ، من أَمثالِ عليِّ بنِ المَدينيِّ، ويَحيى بنِ مَعينٍ، وشُعبةَ، وإِسرائيلَ بنِ يُونسَ، ويَحيى بنِ آدمَ، وابنِ داودَ الخَرْيبيِّ، والحَسنِ ابن صالحٍ وغيرِهم، فهؤلاء كلُّهم مُعاصرِونَ لأبي حَنيفةَ، أو قَريبو العَهدِ به، وهم أَعلمُ الناسِ به، وأَعلمُ من النَّسائيِّ وابنِ عَديٍّ وأَمثالِهما من المُتأخِّرينَ عن أَبي حَنيفةَ بكَثيرٍ كالدَّارقُطنيِّ الذي وُلدَ بعدَ مِائتَي سنةٍ من وَفاةِ أبي حَنيفةَ، فقولُ هؤلاء الأَئمةِ الأَقربُ والأَعلمُ وأَحرى بالقَبولِ، وقولُ المُتأخِّرينَ زمنًا أَجدرُ بالرَّمي في حَضيضِ الخُمولِ.

وقد نقَلَ الشَّيخُ ابنُ حَجرٍ المَكيُّ في «الخيرات الحسان» (ص: ٣٤) قولَ شُعبةَ بنِ الحَجاجِ في أَبي حَنيفةَ: كانَ -واللهِ- حَسنَ الفَهمِ، جَيدَ الحِفظِ. وهذا نصٌّ صَريحٌ في قُوةِ حِفظِه، صادِرٌ عمَّن هو مَشهودٌ له بالإِمامةِ وبالتَّدينِ والتَّشددِ في نَقدِ الرِّجالِ، وبهذا القولِ الرَّشيدِ يَسقُطُ كلُّ ما ادَّعاهُ المُتعصِّبونَ والحاقِدونَ، من مُتقدِّمٍ ومُتأخِّرٍ، من ضَعفِ هذا الإمامِ العَظيمِ (٢).


(١) «تذكرة الحفاظ» (١/ ١٦٨).
(٢) هامش «سير أعلام النبلاء»، بتحقيق حسين الأسد، وإشراف شعيب الأرناؤوط (٦/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>