أَوصَيتَ أنت إليه فقد أَوصَيت أنا إليه»، أو «كلُّ مَنْ أَوصَيتَ أنتَ إليه فهو وَصيِّي»، صَحَّ، وبه قالَ أكثَرُ أهلِ العِلمِ؛ لأنَّه مَأذونٌ له في الإِذنِ في التَّصرفِ، فجازَ له أنْ يَأذنَ لغيرِه كالوَكيلِ إذا أمرَ بالتَّوكيلِ، ولأنَّ المُوصيَ رَضيَ رأيَه ورأيَ مَنْ يَراه، ولأنَّه تَصرفٌ مَأذونٌ فيه فكانَ كغيرِه من التَّصرفاتِ.
وذهَبَ الشافِعيةُ في مُقابلِ الأظهَرِ إلى أنَّه لا يَجوزُ له أنْ يُوصيَ لبُطلانِ إِذنِه بالمَوتِ، ولأنَّه يَلي بتَولِّيه، فلا يَصحُّ أنْ يُوصيَ كالوَكيلِ.
وإذا نَهاه عن الإِيصاءِ إلى غيرِه لا يَصحُّ أنْ يُوصيَ قَولًا واحِدًا.
إلا أنَّ العُلماءَ اختلَفوا فيما لو وَصَّى إليه وأطلَقَ فلم يَأذَنْ له ولم يَنهَه، هل يَجوزُ له أنْ يُوصيَ إلى غيرِه أو لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّه يَجوزُ للوَصيِّ أنْ يُوصيَ إلى غيرِه إذا لم يَمنَعْه المُوصي من ذلك، وليسَ للوَرثةِ في ذلك مَقالٌ، ويَقومُ وَصيُّه مَقامَه في كلِّ ما كانَ إليه من وَصيةٍ أو غيرِها إذا أَوصَى بذلك؛ لأنَّ الأبَ أَقامَه مَقامَ نَفسِه فكانَ له الوَصيةُ كالأَبِ، ويَكونُ الوَصيُّ الثاني وَصيًّا للمَيتِ الأولِ ولوَصيِّه؛ لأنَّ الوَصيَّ يَستحِقُّ التَّصرفَ في المالِ بنَفسِ الوَصيةِ وإنْ لم يُشتَرطْ ذلك له في عَقدِ الوَصيةِ، وحينئِذٍ لا يُشتَرطُ جَوازُ أمرِه فصارَ لَفظُ الوَصيةِ مُقتَضيًا لجَوازِ أمرِه فيه كالوَكالةِ إذا شُرطَ فيها ذلك، فيَجوزُ للوَصيِّ أنْ يُقيمَ وَصيًّا مَكانَه وإنْ لم يَشرُطْ له، كما يَتصرفُ بسائِرِ وُجوهِ التَّصرفِ وإنْ لم يُشرَطْ له، وكما يُوكَّلُ الوَكيلُ إذا شُرطَ له جَوازُ أمرِه.