الوَصيةِ إليه. وحمَلَ القاضي كَلامَ الخِرقيِّ وكَلامَ أَحمدَ في إِبقائِه في الوَصيةِ على أنَّ خيانَتَه طَرأَت بعدَ المَوتِ، فأمَّا إنْ كانَت خيانَتُه مَوجودةً حالَ الوَصيةِ إليه لم تَصحَّ؛ لأنَّه لا يَجوزُ تَوليةُ الخائِنِ على يَتيمٍ في حَياتِه فكذلك بعدَ مَوتِه، ولأنَّ الوَصيةَ وِلايةٌ وأَمانةٌ، والفاسِقُ ليسَ من أَهلِهما.
فعلى هذا إذا كانَ الوَصيُّ فاسِقًا فحُكمُه حُكمُ مَنْ لا وَصيَّ له، ويَنظرُ في مالِه الحاكِمُ، وإنْ طرَأَ فِسقُه بعدَ الوَصيةِ زالَت وِلايتُه وأقامَ الحاكِمُ مَقامَه أَمينًا، هذا اختيارُ القاضي وهو قَولُ الثَّوريِّ والشافِعيِّ وإِسحاقَ، وعلى قَولِ الخِرقيِّ لا تَزولُ وِلايتُه ويُضمُّ إليه أَمينٌ يَنظرُ معه، ورُويَ ذلك عن الحَسنِ وابنِ سِيرينَ؛ لأنَّه أمكَنَ حِفظُ المالِ بالأَمينِ، وبتَحصيلِ نَظرِ الوَصيِّ بإِبقائِه في الوَصيةِ، فيَكونُ جَمعًا بينَ الحَقَّينِ، وإنْ لم يُمكِنْ حِفظُ المالِ بالأَمينِ تعيَّنَ إِزالةُ يَدِ الفاسِقِ الخائِنِ وقَطعُ تَصرفِه؛ لأنَّ حِفظَ المالِ على اليَتيمِ أَولى من رِعايةِ قَولِ المُوصي الفاسِدِ.
وأمَّا التَّفريقُ بينَ الفِسقِ الطارِئِ وبينَ المُقارِنِ فبَعيدٌ؛ فإنَّ الشُّروطَ تُعتبَرُ في الدَّوامِ كاعتِبارِها في الابتِداءِ، سيَّما إذا كانَت لمَعنًى يُحتاجُ إليه في الدَّوامِ، ولو لم يَكنْ بُدٌّ من التَّفريقِ لكانَ اعتِبارُ العَدالةِ في الدَّوامِ أوْلى، من قِبَلِ أنَّ الفِسقَ إذا كانَ مَوجودًا حالَ الوَصيةِ فقد رَضيَ به المُوصي مع عِلمِه بحالِه، وأَوصَى إليه راضيًا بتَصرفِه مع فِسقِه، فيُشعرُ ذلك بأنَّه علِمَ أنَّ عندَه من الشَّفقةِ على اليَتيمِ ما يَمنعُه من التَّفريطِ فيه وخيانَتِه في مالِه، بخِلافِ ما إذا طرَأَ الفِسقُ؛ فإنَّه لم يَرضَ به على تلك الحالِ، والاعتِبارُ برِضاه، ألَا تَرى