للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإِمامُ ابنُ بَطَّالٍ : وأجمَعَ العُلماءُ على أنَّه لا مِيراثَ لأحَدٍ إلا بعدَ قَضاءِ الدَّينِ ولو أَحاطَ الدَّينُ بمالِه كلِّه، وإنَّ أهلَ الوَصايا بعدَ قَضاءِ الدَّينِ شُركاءُ الوَرثةِ فيما بَقيَ ما لم يُجاوِزْ ذلك الثُّلثَ (١).

وقالَ الإِمامُ التِّرمذيُّ: العَملُ على هذا عندَ عامةِ أهلِ العِلمِ أنَّه يُبدأُ بالدَّينِ قبلَ الوَصيةِ (٢).

قالَ الشافِعيُّ : قالَ اللهُ في غيرِ آيةٍ في قِسمِ المِيراثِ: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] و ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] قالَ الشافِعيُّ: فنقَلَ اللهُ مِلكَ مَنْ ماتَ من الأَحياءِ إلى مَنْ بَقيَ من وَرثةِ المَيتِ، فجعَلَهم يَقومونَ مَقامَه فيما مِلكِهم من مِلكِه، وقالَ اللهُ ﷿: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] قال: فكانَ ظاهِرُ الآيةِ المَعقولُ فيها: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ إنْ كانَ عليهم دَينٌ وبهذا نَقولُ، ولا أعلَمُ من أهلِ العِلمِ فيه مُخالِفًا، وقد تَحتملُ الآيةُ مَعنًى غيرَ هذا أظهَرَ منه وأوْلى بأنَّ العامَّةَ لا تَختلفُ فيه فيما علِمتُ، وإِجماعُهم لا يَكونُ عن جَهالةٍ بحُكمِ اللهِ إنْ شاءَ اللهُ .

قالَ الشافِعيُّ: وفي قَولِ اللهِ ﷿: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] مَعانٍ سأذكُرُها إنْ شاءَ اللهُ تَعالى، فلمَّا لم يَكنْ بينَ أهلِ العِلمِ خِلافٌ علِمتُه في أنَّ ذا الدَّينِ أحَقُّ بمالِ الرَّجلِ في حَياتِه منه حتى يَستوفِيَ دَينَه، وكانَ أهلُ المِيراثِ إنَّما يَملِكونَ عن المَيتِ ما كانَ المَيتُ أملَكَ به كانَ بَيِّنًا، واللهُ أعلَمُ في حُكمِ اللهِ ﷿، ثم -ما لم أعلَمْ- أهلُ العِلمِ، فاختلَفوا فيه أنَّ الدَّينَ مُقدَّمٌ على الوَصايا والمِيراثِ، فكانَ حُكمُ الدَّينِ كما وَصَفت مُنفرِدًا مُقدَّمًا، وفي قَولِ اللهِ ﷿: ﴿أَوْ دَيْنٍ﴾ ثم إِجماعُ المُسلِمينَ أنْ لا وَصيةَ ولا مِيراثَ إلا بعدَ الدَّينِ دَليلٌ على


(١) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٣٣٩).
(٢) «سنن الترمذي» (٤/ ٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>