للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوتِكم»، فأخبَرَ أنَّه ليسَ له إلا الثُّلثُ، فلم يُجِزْ زِيادةً عليه، ولحَديثِ عِمرانَ ابنِ حُصَينٍ: «أنَّ رَجلًا أعتَقَ في مَرضِه سِتةَ أعبُدٍ له لا مالَ له غيرُهم، فبلَغَ ذلك النَّبيَّ فتَغيَّظَ لذلك غَيظًا شَديدًا ثم دَعا بهم فأقرَعَ بينَهم فأعتَقَ منهم اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً»، ولأنَّ حُضورَ سَببِ المَوتِ جارٍ في ذلك مَجرى حُضورِ المَوتِ نَفسِه، فإنْ مَنَعوا ذلك دَلَّ عليه بإِجماعِ الصَّحابةِ؛ لأنَّ أَبا بَكرٍ قالَ لعائِشةَ : «إنِّي كُنْتُ نَحلتُك جِذاذَ عِشرينَ وَسقًا، ولو كُنْتِ حُزتيه لكانَ ذلك، وإنَّما هو اليَومَ مالُ الوارِثِ»، فبيَّنَ أنَّ حَقَّ الوَرثةِ مُتعلِّقٌ به في هذه الحالِ، وإنَّ ذلك هو المانِعُ من تَسليمِه إليها، ولم يُخالِفْ عليه أحدٌ، ولأنَّه ابتِداءُ عَطيةٍ في المَرضِ كالوَصيةِ (١).

وقالَ جُمهورُ العُلماءِ وجَماعةُ أئِمةِ الفَتوى: هِباتُه وعَطاياه نافِذةٌ كلُّها إنْ صَحَّ من مَرضِه، وتَكونُ من رَأسِ مالِه ويُراعى في العَطايا القَبضُ (٢).

قالَ الحَنفيةُ: والهِبةُ من المَريضِ للوارِثِ في هذا نَظيرُ الوَصيةِ؛ لأنَّها وَصيةٌ حُكمًا، حتى إنَّها تَنفُذُ من الثُّلثِ، وإِقرارُ المَريضِ على عَكسِ هذا؛ لأنَّه تَصرُّفٌ في الحالِ فيُعتبَرُ ذلك وَقتَ الإِقرارِ (٣).


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ١٥٧، ١٥٨)، رقم (١٩٠٨).
(٢) «الإقناع في مسائل الإجماع» (٣/ ١٦٣٨)، رقم (٣٢١٥).
(٣) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣٧)، و «الهداية» (٤/ ٢٣٣)، و «العناية» (١٦/ ٦٨)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ١٨٢)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٧٢، ٣٧٣)، و «الدر المختار» (٦/ ٦٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>