حُكمُها أنْ يَكونَ في حالِ وُقوعِ الوَصيةِ وألَّا تَعملَ الإِجازةُ قبلَ وُقوعِها، وأيضًا لمَّا كانَ للمَيتِ إِبطالُ الوَصيةِ في حالِ الحَياةِ مع كَونِه مالِكًا فالوَرثةُ أحرى بجَوازِ الرُّجوعِ عمَّا أَجازوه، وإذا جازَ لهم الرُّجوعُ فقد علِمتَ أنَّ الإِجازةَ لا تَصحُّ (١).
قالَ الإِمامُ الشافِعيُّ ﵀: وإذا أَرادَ الرَّجلُ أنْ يُوصيَ لوارِثٍ فقالَ للوَرثةِ: «إنِّي أُريدُ أنْ أُوصيَ بثُلثي لفُلانٍ وارِثي فإنْ أَجزتُم ذلك فَعَلت، وإنْ لم تُجيزوا أَوصَيت بثُلثي لمَن تَجوزُ الوَصيةُ له»، فأَشهَدوا له على أنفُسِهم بأنْ قد أَجازوا له جَميعَ ما أَوصَى له وعَلِموه، ثم ماتَ، فخُيِّر لهم فيما بينَهم وبينَ اللهِ ﷿ أنْ يُجيزوه؛ لأنَّ في ذلك صِدقًا ووَفاءً بوَعدٍ وبُعدًا من غَدرٍ وطاعةً للمَيتِ وبِرًّا للحَيِّ فإنْ لم يَفعَلوا لم يُجبِرْهم الحاكِمُ على إِجازتِه، ولم يُخرَجْ ثُلثُ مالِ المَيتِ في شَيءٍ إذا لم يُخرِجْه هو فيه، وذلك أنَّ
(١) «التمهيد» (١٤/ ٣٠٨)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٥/ ٥، ٦)، و «الحاوي الكبير» (٨/ ٢١٣)، و «البيان» (٨/ ١٥٨)، وقالَ أَبو بَكرٍ الجَصاصُ ﵀ في «أَحكام القُرآن» (١/ ٢٠٩): فإنْ قيلَ: لمَّا كانَ حَقُّ الوَرثةِ ثابِتًا في مالِه بالمَرضِ ومن أجْلِه منَعَ ذلك في المَرضِ عن التَّصرفِ فيه بأكثَرَ من الثُّلثِ كما منَعَ بعدَ المَوتِ وجَبَ أنْ يَكونَ حالُ المَرضِ حالَ المَوتِ في بابِ لُزومِهم حُكمَ الإِجازةِ إذا أَجازوا. قيلَ له: تَصرُّفُ المَريضِ جائِزٌ عندَنا في جَميعِ مالِه، بالهِبةِ والصَّدقةِ والعِتقِ وسائِرِ مَعاني التَّصرفِ ووُجوهِه، وإنَّما نُسخَ منها بعدَ المَوتِ ما زادَ على الثُّلثِ لثُبوتِ حَقِّ الوَرثةِ بالمَوتِ، وأمَّا قبلَ ذلك فلا اعتِبارَ بقَولِ الوارِثِ فيه، ألَا تَرى أنَّ الوارِثَ ليسَ له أنْ يَفسخَ عُقودَه قبلَ المَوتِ وإنَّما ثبَتَ له ذلك بعدَ المَوتِ عندَ ثُبوتِ حَقِّه في مالِه؟ فكذلك إِجازتُه قبلَ مَوتِه كلا إِجازةَ كما لا يَعملُ فَسخُه في عُقودِه.