للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الوَصيةَ صَحيحةٌ إذا أَجازَها الوَرثةُ، كما إذا أَوصَى بأكثَرَ من الثُّلثِ وأَجازَه الوَرثةُ جازَ، فالوَصيةُ للوارِثِ مِثلُ ذلك، ولأنَّها عَطيةٌ من الوَرثةِ بعضِهم لبعضٍ فلذلك اعتَبَروا فيها الجَوازَ بعدَ مَوتِ المُوصي؛ لأنَّه حينَئذٍ يَصحُّ مِلكُهم وتَصحُّ عَطيتُهم، ولأنَّه تَصرفٌ صدَرَ من أهلِه في مَحلِّه فصَحَّ كما لو وَصَّى لأَجنبيٍّ، ولأنَّ امتِناعَ الجَوازِ كانَ لحَقِّهم لمَا يَلحقُهم من الأَذى والوَحشةِ بإِيثارِ بعضٍ، ولا يُوجدُ ذلك عندَ الإِجازةِ، ولأنَّ المَنعَ هو حَقٌّ للوَرثةِ ولأنَّه مَحجورٌ عليه لأَجلِهم لئلَّا يَفضُلَ بعضُهم على بعضٍ، فإذا أَجازوا فقد ترَكوا حَقَّهم فجازَ ذلك لهم؛ لأنَّ المَنعَ إنَّما تعلَّقَ بحَقِّهم فجازَ بإِجازتِهم، ولأنَّها وَصيةٌ بمُباحٍ فجازَ أنْ تَصحَّ كالوَصيةِ للأَجنبيِّ أو بزِيادةٍ على الثُّلثِ.

والخَبَرُ قد رُويَ فيه إلا أنْ يُجيزَ الوَرثةُ، والاستِثناءُ من النَّفيِ إِثباتٌ، فيَكونُ ذلك دَليلًا من صِحةِ الوَصيةِ عندَ الإِجازةِ، ولو خَلا من الاستِثناءِ كانَ مَعناه: لا وَصيةَ نافِذةً أو لازِمةً أو ما أشبَهَ هذا، أو يُقدَّرُ فيه: لا وَصيةَ لوارِثٍ عندَ عَدمِ الإِجازةِ من غيرِه من الوَرثةِ (١).


(١) «التمهيد» (١٤/ ٣٠٧)، و «الاستذكار» (٧/ ٣٦٧)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ١٥٥)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٦٥)، و «تحفة الفُقهاء» (٣/ ٢٠٧)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣٨)، و «الاختيار» (٥/ ٧٨)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٧٣)، و «اللباب» (٢/ ٥٩٠)، و «الحاوي الكبير» (٨/ ٢١٣)، و «المغني» (٦/ ٥٨)، و «الإفصاح» (٢/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>